منهج السنة المطهرة في مکافحة الجريمة والوقاية منها

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

کلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالقاهرة جامعة الأزهر

المستخلص

"إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيکَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ"([1])، حمدًا خالصًا لرب الأرض والسماوات، المتفضل علينا بالنعم السابغات، وصلى الله وسلم على أفضل الرسل وخير البريات، المبعوث هداية ورحمة للناس وإخراجهم من غياهب الظلمات، وعلى آله وصحبه وأزواجه الطاهرات وسلم تسليمًا کثيرا.
وبعد...
 فالجريمة ظاهرة إنسانية قديمة قدم الإنسان، ولا أدل على هذا من قصة قابيل وهابيل، فلا يکاد يخلومنها عصر من العصور أو مجتمع من المجتمعات، والجريمة سبب للإطاحة بأحلام أبناء الأمة وشبابها، وتدمير طموحها، وقد کثرت الجرائم في عصرنا وفي أمتنا تحديدًا حتى صرنا في ذيل الأمم بعد أن کنا سادة الدنيا، وقادة هذا العالم، ودب الضعف في صفوفنا وهُنَّا على الناس، کل هذا على الرغم من أن ديننا الحنيف يحارب الجريمة بکافة أشکالها وصورها، ويقتلع أسبابها وجذورها، ومن هنا شرعت الحدود کحد القتل والزنا والسرقة وغيرها.
وإن الحدود في الإسلام جاءت لتهذِّب لا لتعذِّب، وتقوِّم لا لتنتقم، فالحدود إنما شرعت لتطهير النفوس حال انحرافها وإجرامها، حفاظًا على الأمة واستقرارها، ولم يکتف الإسلام بإيقاع العقوبات وتطبيق الحدود لردع المجرمين؛ بل أمر بتوجيههم التوجه الصالح، والأخذ بأيديهم إلى طريق النجاة وحثهم على العمل النافع المثمر، وأوصى أن لا يترک المجرم هملًا عاطلًا حتى لا يعود مدفوعًا إلى الجريمة مرة أخرى.
وحث على عدم تعيير المجرم حتى يساعد على إخراجه من دائرة الجريمة ولا يغرق في أوحالها.
روى البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ t :"أُتِيَ النَّبِيُّ r بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ، قَالَ:"اضْرِبُوهُ"، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ، وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ، وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ بَعْضُ القَوْمِ: أَخْزَاکَ اللَّهُ، قَالَ: "لاَ تَقُولُوا هَکَذَا، لاَ تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ"([2]).قال العيني:"(لَا تعينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَان) يَعْنِي:إِذا دعوتم عَلَيْهِ بالخزي فقد أعنتم الشَّيْطَان، فَإِنَّهُ إِذا دعِي عَلَيْهِ بِحَضْرَتِهِ r،وَلم ينْه عَنهُ ينفر عَنهُ، أَو لِأَنَّهُ يتَوَهَّم أَنه مُسْتَحقّ لذَلِک،فيوقع الشَّيْطَان فِي قلبه وساوس"([3])
فالمجرم الآثم حين يحس باحتقار الناس وازدرائهم له وتعييرهم ونبذهم، سينفر منهم غارقًا في وحل الجريمة دائرًا في دائرتها، لا ينفعه نصح ولا تجدي معه موعظة، ففي هذا تمکين للجريمة وإعانة للشيطان على هذا الإنسان.
وإن الإسلام لا يعتمد على العقوبة وحدها ليقيم مجتمعًا عفيفًا طاهرًا، ولا يتصيد أخطاء الناس ليقعوا تحت طائلتها، إنما يعتمد على الوقاية من الجريمة والتحذير من اقترافها قبل أن يُقدِم على العقوبة.
 

الكلمات الرئيسية