إنصاف المتنبي من منصف ابن وکيع في قسم السيفيات (دراسة نقدية موازنة في ضوء صورة المعنى)

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

جامعة الأزهر (مصر) جامعة القصيم(السعودية)

المستخلص

شُرِّعت أقلام کثيرة للدفاع عن المتنبي ، وانبرى أصحابها منافحين بمؤلفاتهم العديدة التي ترد کيد الکائدين من أمثال ابن وکيع  الذي أمعن في تمحل السقطات للمتنبي ، فجاء عنوان کتابه (المنصف) على ضد معناه ، ليضيف إلى معجم الأضداد مفردة جديدة ، على نحو ما يرى ابن رشيق حيث يقول "وأما ابن وکيع فقدم في صدر کتابه في أبي الطيب مقدمة لا يصح لأحد معها  شعر إلا للصدر الأول ، إن سُلِّم ذلک لهم  ، وسماه (المنصف) مثل ما سمي اللديغ سليما ، وما أبعد الإنصاف منه!! " وسواء کان تأليف الکتاب بإيعاز من أصحاب السلطة کما يرى (بلاشير) أو بدافع شخصي على نحو ما يضيف د. إحسان عباس في قوله " وأقوى من هذا أن يقال إن الکتاب کان رد شاعر مغيظ على طبقة من المتعصبين لأبي الطيب"  فما کان ليعجب ابن وکيع أن يلتف الناس حول المتنبي الوافد على البيئة المصرية ، ويعظموا شعره ، ويعرضوا عن شعره هو المولود فيها ، سواء أکان هذا أم ذاک فإن الرجل أقبل ينقد شعر المتنبي ويرد کثيرا منه إلى معاني السابقين أو المعاصرين ، وعلى الرغم من کثرة الدراسات التي عالجت هذا الشأن على العموم ، فما زلنا في حاجة إلى معالجة تفصيلية لجزئياته ، فلم أجد -على حد علمي- دراسة تعالج المواضع التي ادعى فيها  ابن وکيع أن المتنبي أخذها عن غيره ؛ لتفرق بين صورة المعنى عنده وصورته عند غيره ؛ فقام هذا البحث بجزء من هذا العمل، ليکون عنوانه (إنصاف المتنبي من منصف ابن وکيع في قسم السيفيات دراسة نقدية موازنة في ضوء صورة المعنى) ،إذ تقوم الدراسة على الموازنة بين أبيات المتنبي في قسم السيفيات ، الأبيات التي ادعى فيها ابن وکيع أن المتنبي أخذها عن غيره وبين أبيات غيره في ضوء الموازنة التي تعتمد صورة المعنى کما جاءت عن عبد القاهر الجرجاني في (دلائل الإعجاز)؛ للوقوف على صورة المعنى عند المتنبي وصورته عند غيره.
وقد آثرت أن يختص البحث بـ ( قسم السيفيات ) من المنصف لسببين: الأول: ما لشعر المتنبي في سيف الدولة من قيمة عالية، وروعة بالغة ، يقول (طه حسين) عن شعر المتنبي في سيف الدولة " وهو إن جُمع في سفر مستقل لم يکن من أجمل شعر المتنبي وأروعه وأحقه بالبقاء ، بل من أجمل الشعر العربي کله وأروعه وأحقه بالبقاء "  فلما کان هذا الشعر حقيقا بالبقاء ، کان حقيقا برفع الضيم عنه ، ودحض التجني عليه ، والسبب الثاني: أن هذا القسم من (المنصف) جاء في معظمه خاليا من تعليق لابن وکيع، فقد کان يذکر قول المتنبي وقول غيره ويترک الأمر على إبهامه، فأردت إيضاحه وتجليته ورد الحق لصاحبه
وتتمثل أهمية الدراسة في تطبيق الموازنة على أساس صورة المعنى ، وفي إثرائها للدرس النقدي، ورفع الضيم عن المتنبي في الأبيات موضع الدراسة.
ويهدف البحث إلى إقامة موازنة بين أبيات المتنبي التي قال عنها ابن وکيع :إنه أخذها عن السابقين وبين الأخيرة ؛لإبراز فروق الصياغة والتصوير ليتضح من خلالها مبلغ الإجادة أو التقصير ،وهل يعد أخذه سرقة أو لا ، بناء على المنهج الذي رسمه ابن وکيع نفسه في باب تفسير وجوه السرقات الذي عقده في صدر المنصف ؛ لتقوم الحجة عليه من نفسه.
وقد تنوعت الأبيات التي أوردها ابن وکيع في (السيفيات) ما بين الموازنة وهي الأغلب ، والشرح ، والنقد ، فجاء البحث في مقدمة ،وتمهيد : في المتنبي وابن وکيع  ، والسرقات والتناص والصورة ، ثم في قسمين : الأول :لمواضع الموازنة ، والثاني : لموضعي النقد ، وأغضيت عن مواضع الشرح ؛ لأنها ليست مجال هذه الدراسة.
وکان عمل البحث عند الشروع في الموازنة متمثلا في وضع عنوان مناسب لکل موضع من مواضع الموازنة ، وعرض ما قاله ابن وکيع في کل موضع ، وتوثيق نسبة الأبيات إلى قائليها بتخريجها من الدواوين ، والترجمة لغير المشهورين منهم ، وذکر شرح يسير لمعنى المتنبي ، ثم الموازنة بين صورة المعنى عند المتنبي وصورته عند غيره لمعرفة أيتهما أجود ، وعليه يتضح ما إذا کان ابن وکيع منصفا -کما يدعي -أو متجنيا على المتنبي ،يسلبه حقه في محاولة للغض من شأنه ، والنيل من مکانته.
ويعتمد البحث على المنهج الوصفي التحليلي ، کما يقوم بتقصي الأبيات موضع الدراسة -وتتبعها في شروح ديوان المتنبي ؛ للوقوف على مدى موافقة شراح الديوان لابن وکيع أو مخالفته .
وکان المصدر المعتمد عليه في مادة البحث الأولية هو کتاب ( المنصف في نقد الشعر ) لابن وکيع التنيسي ، تحقيق : د. محمد رضوان الداية ، واستعنت بمجموعة من المراجع ، في مقدمتها : شروح ديوان المتنبي : کشرح العکبري والبرقوقي وابن الأفليلي ، وکتاب الوساطة بين المتنبي وخصومه للقاضي الجرجاني ، ويتيمة الدهر للثعالبي ، مستنيرة بـ( دلائل الإعجاز).
هذا، وقد توخيت الإنصاف ما استطعت إليه سبيلا ، فلعلي قاربت الهدف، واللهَ أسأل أن ينير دروبنا، ويجعل التوفيق حليفنا ، إنه ولي ذلک والقادر عليه .


 

الكلمات الرئيسية