الاغتراب في شـعر قيس بن الملوح (دراسة موضوعية فنية)

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

جامعة الازهر

المستخلص

الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، والصلاة والسلام على خير البرية، المقسِّم بالسوية، القائل هذا قسمي فيما أملک، فلا تؤاخذني فيما لا أملک، وصلى الله وسلم وبارک على آله الطيبين، وصحابته الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد ،،،
فإن الغربة عند قيس بن الملوح شغلت قلبه وعقله وفکره وعمره، إذ إنه وقف إلى القمة التي هي أسمى المعاني الإنسانية، وهي الحب، وما أراد أن يتنازل عن ليلى قيد أنملة، وقال لأبيه الذي أراد أن يزحزحه عن هذه القمة:





فدقَّ صلابَ الصخر رأْسَک سرمدًا


\


فإني إلى حينِ المماتِ خَليلها







فهذا هو موقف قيس بن الملوح من حبه لليلى، شيء زاد ووضح عن کل ما سبق، تمنى صاحبه أن يَعْشُقُ هذا الحِبَّ مرة أخرى، ليعلم ما يلقي المحب من الهجر، من موت محقق سطره مخطوطًا في الرمال، وذلک في اللحظة الأخيرة من حياته، فقال([2]):





توَسَّدَ أحْجَارَ المَهامِهِ والقَفْـر


\


وَمَاتَ جَريحَ القَلب مُندَمِلَ الصَّدْرِ




فيا ليْتَ هذا الحِبَّ يَعْشُقُ مَرَّةً


\


فَيُعْلَمَ ما يَلْقَى المُحِبُّ من الهجرِ





وهذه النهاية معلنة عن کل أنواع الغربة التي عاشها قيس بن الملوح من ذاتية، واجتماعية، ومکانية، وزمانية، مما يبين أن الخلل أصابه في صميم ذاته وقلبه وعقله وجسده، وأن الرياح العاتية جاءته من جميع نواحيه، ويکفي في بيان هذه المأساة أن شعره وقف عندها، فلم يغادرها إلى مطلب سواها، مما يوحي بتفرد هذه الشخصية، فهو لا ينقصه شيء سوى ليلى التي عاشها منذ أن عرفها صغيرًا، وإلى أن فارقت روحه الحياة.
وقد دفعني إلى هذا الموضوع "الاغتراب عند قيس بن الملوح"، ما يلي:
أولاً : ثراء تجربة الشاعر، وسعة مساحتها، فهي ميدان خصب للدراسة النفسية، والموضوعية التحليلية والفنية، إذ أن القمة التي وقف عندها قيس من الحب لليلى جعلت الناتج عنها في مستواها أسلوبًا، وعبقرية، واقتدارًا.
ثانيًا : الوقوف على أنواع الغربة، ومظاهرها، وصورها، وتجلية جميع ذلک من خلال استنفار العالم الداخلي للشاعر، وشعره الحامل لآلامه ومعاناته.
ثالثًا : إرادة الغوص في مکنون هذه الشخصية الطاهرة البريئة، وما حدث لها من صدام مع الواقع المعاش، مما يجعل الموضوع محل نظر واستقراء، لبيان وتجلية ألوان الغربة لديه، ومعرفة ما مر به من تجارب مؤلمة، وخطوات وئيدة حزينة.
رابعًا : تفرد قيس بن الملوح في تجربته ومعاناته وسيطرة الغربة على کيانه کليًا نفسيًا واجتماعيًا، ومکانيًا، وزمانيًا مما يسمها بالمصداقية والواقعية.
خامسًا : الصياغة الفنية الرائعة لقيس بن الملوح في ديوانه، فهي السهل الممتنع، فهو لا يکاد يريد شيئًا إلا أتاه، فصنع منه ما يريد، فلعل المعايشة والمعاناة سهلا له کل ما أراد، وهذا ما امتلکه الشاعر في دنياه عوضًا عما فقده من وصل ليلى.
سادسًا : تجربة قيس بن الملوح مأساة إنسانية حملتها ألفاظ وعبارات ديوانه، وفي تتبعها ودراستها إطلاع على أغوارها البعيدة وفق معطيات ونظريات جديدة.
سابعًا : شخصية قيس بن الملوح التي ليس لها إلا مطلوب واحد في الحياة هو ليلى، شخصية أقرب ما تکون إلى التفرد، وبالتالي هي جديرة بالنظر والبحث والاعتبار.
ثامنًا : الوقوف على ثقافة الشاعر، وثقافة العصر الأموي اجتماعيًا وسياسيًا، ودينيًا، وجغرافيًا، وتاريخيًا؛ وذلک من خلال ما سطره الشاعر في غربته ومعاناته.
هذا، وقد اتبعت في هذه الدراسة المنهج الاستقرائي، حيث قمت بتتبع النصوص داخل الديوان للوقوف على ما يمثل أنواع الاغتراب لديه ذاتيًا واجتماعيًا، ومکانيًا، وزمانيًا.
وکذا المنهج التاريخي، لمعرفة البواعث والنوايا الداخلية التي أفرزت هذه المأساة، وتلک الغربة التي عاشها الشاعر.
وکذا المنهج النفسي، للوقوف على نفسية الشاعر ومشاعره، وأبعاد شخصيته، من خلال تصويره لتلک المشاعر وتعبيره في الإفصاح عنها، ويمثل هذا المنهج قراءة جديدة، وفهم سديد لشعر قيس بن الملوح.
وکذا المنهج الفني التحليلي، للوقوف على أسرار الصياغة وخصائصها، وما توحي به الکلمات من دلالات معنوية، وصور أدبية حقيقية وخيالية معبرة عن معاناة، وصور اغترابه.
 
وقد جاء البحث في مقدمة وفصلين وخاتمة، وفهارس فنية:
فأما المقدمة فبينت أهمية الموضوع، والدوافع التي دفعت إليه، والمنهج المتبع في الدراسة والبحث.
وأما الفصل الأول: الاغتراب وأنواعه، والتعريف بالشاعر، فشمل مبحثين:
الأول: وفيه مطلبان:
1ـ  الاغتراب لغة في معاجم اللغويين، واصطلاحًا عند من تحدثوا عنه من علماء الدين (الإسلامي) وعلماء النفس، والأدباء المعنيين.
2ـ  أنواع الاغتراب: الديني، والذاتي (النفسي)، والاجتماعي، والمکاني، والزماني.
الثاني: وفيه مطلب واحد، وهو: التعريف بقيس بن الملوح، وشمل عدة محاور: اسمه، مولده، لقبه، قصة الحب بينه وبين ليلى، محاولات الزواج منها، شعره، وفاته.
وأما الفصل الثاني: "أنواع الاغتراب في شعر قيس بن الملوح: دراسة موضوعية فنية"، فشمل أربعة مباحث:
الأول ــ الاغتراب  الذاتي  (النفسي):
وجاء في أربع صور:
    1ـ الشعور بالحزن واليأس والکآبة.
    2ـ حديث الشاعر مع نفسه.
    3ـ عفة الذات وتميزها بالسمو وقداسة الحب.
    4ـ تصوير الشاعر لذاته المعذبة.
الثاني ــ الاغتراب  الاجتماعي:
وجاء في أربع صور:
    1ـ الاغتراب عن الناس والانطواء على نفسه.
    2ـ الاغتراب عن المجتمع، وأعرافه السائدة.
    3ـ الصراع مع المجتمع من خلال الرقباء والوشاة.
    4ـ الاغتراب عن السلطة السياسية.
الثالث ــ الاغتراب المـــــکاني:
وجاء في أربع صور:
    1ـ الشعور بالغربة عند تذکر أيام الوصال.
    2ـ الشعور بالغربة عند المرور بأماکن اللقاء.
    3ـ الشوق والحنين إلى نجد، وما فيها من أماکن ووديان.
    4ـ محاولات تخفيف الاغتراب المکاني.
الرابع  ــ  الاغتراب  الزمانـــــي:
وجاء في أربع صور:
    1ـ غربة الشاعر، وأحداث الزمان.
    2ـ الصبر على أحداث الزمان، ومواجهتها.
    3ـ ظرف الزمان، وتغير الأحداث.
    4ـ غربة الشاعر والموت.
وأما الخاتمة، فقد ذکرت فيها أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة والبحث.
ثم ذيلت البحث بالفهارس الفنية، وشملت فهرس المصادر والمراجع، وفهرس الموضوعات.
فإن أکن قد وفقت فمن الله الفضل والمنة، وإن کانت الأخرى فحسبي أني اجتهدت، وفي دروب العلم والمعرفة درجت.
]وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَکَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ[.