المکان ، الصورة ، والدلالة (( رواية موت صغير لمحمد حسن علوان نموذجاً ))

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

المملکة العربية السعودية

المستخلص

ربَّنا عليک توکَّلنا وإليک أنبنا وإليک المصير ، الَّلهُم  إنِّي أسألک حسن الخاتمة وسلامة النِّيَّة ، اللهم ربَّنا اغفر لى زلَّة القلم إنَّک يا مولانا نعم المولى ونعم النَّصير ، وأنت على کل شئ قدير .
وبعد ،،،،،،
لقد سرد علوان  حياة متصوف انبهر به، فأعاد توليد المقولات الروائية، التي تضمنت: السارد الأول (ابن عربي) الذي يحکي حياته في أطوارها المختلفة، طفولة وصبا وکهولة وشيخوخة آفلة، وموتاً مضيئاً رأى فيه ابنه يهيل التراب عليه. والسارد مرکز لغوي يُنطق، بأشکال مختلفة عقله وذکرياته وروحه، واصفاً الواقع ومضاعفه، منتقلاً من زمن تاريخي إلى آخر مختلف عنه، ومن مکان إلى آخر يغايره. لا غرابة أن ينطوي الخيال الروائي، الذي يسائل ما قبل الأبدان وما بعدها، على صيغة المتعدد، في مستوياته المختلفة، فيمر من إشبيلية إلى المغرب، فالقاهرة ومکة بعد أن يمر بحلب والشام، يرتاح في بغداد، ذاهباً إلى مالطيّة، عائداً إلى دمشق. ومع أن شخوصه المختلفة، تسهم في حرکة الفعل الروائي وتحديد أزمنته، فهذه الشخوص مرايا أحوالها التي تفصح عن: الحب، الخوف، الفقد، الهرب، العشق والنسيان، کما لو کانت مرايا للکون الصغير، بحسب ابن عربي.
أنجز محمد حسن علوان، بتفوق لا تخطئه القراءة، أمرين أساسيين: مجانسة النص منظوراً ولغة، فنظر النص من أزمنته، المضطربة المتدافعة، ولغته من لغة موضوعة، القائمة على البوح والصور والإشارات ولهاث الروح المتطلبة، التي تغترب وهي تبحث عن نور أعلى وتغترب کلاماً وهي تحدث عنه، فما لا يرى يجعل الکلام عبئاً ثقيلاً. والأمر الآخر ترهين النص التاريخي، کتابة وقراءة، فالمخطوطة، هي وسيلة فنية، تمتد من زمن قديم إلى الزمن الراهن والنص، في أصواته المتعددة، يحيل إلى ما نعيش اليوم. نقرأ في نهاياته: «يا إلهي، أعوذ بالله من طغيان الطغاة»: «فمن العدل إذا ما أردنا أن ندفع عن المتصوفة أذى الفقهاء، وأن يعتدل المتصوفة في أقوالهم ويکفوا عن استفزاز العامة». والمتصوفة هم الباحثون عن الحقيقة، والفقهاء هم ألسنة السلطة الباحثون عن منافعهم، و«العامة» أدوات تنتجها السلطة لمحاربة العلم ونسيان الحقيقة.
عثر محمد حسن علوان على حلول جمالية لقضايا الرواية التاريخية، التي تغوي بنسق من الحکايات البسيطة، مستکملاً جهداً نبيلاً بذله، ذات مرة، المصري الراحل جمال الغيطاني في عمله الأشهر: الزيني برکات، والمغربي اللامع سالم حميش في روايته عن «ابن سبعين».
ويختتم علوان الرواية بالرجوع إلى البرزخ مرة  أخرى   کانت الأرحام أوطاننا ، فاغتربنا عنها بالولادة ، أعطاني الله برزخين، برزخ قبل ولادتي و برزخ بعد مماتي، في الأول رأيت أمي و هي تلدني و في الثاني رأيت إبني و هو يدفنني”.
إن الرواية کانت فتح امتداد لفتوحات ابن عربي نفسه المکية، فقد اتخذ الکاتب من ابن عربي محور لروايته لينوّرنا بنوره الرباني العظيم، وکل ذلک لنجد الحقيقة الثابتة في هذا الکون وهي الحب، وليس بغريب أن يعنون الکاتب روايته بعنوان : (موت صغير) وهو ما أسمى ابن عربي به الحب، نحب الجميع، المختلف عنا قبل المتفق معنا، العدو قبل الصديق وفي النهاية نتمنى أن نصل لربع ما وصل إليه ابن عربي وهو يقول:
لقد صار قلبي قابلًا کل صورة   \  فمرعى لغزلان ودير لـــرهبان.
وبيت لأوثان و کعبة طـــائف   \  وألواح توراة ومصحــــف قرآن.
ادين بدين الحب أنى توجـــهت \  رکائبه فالحب ديني و إيماني.

الكلمات الرئيسية