الاحتلال الإيطالي للحبشة والموقف الدولي

نوع المستند : المقالة الأصلية

المستخلص

لم تبدأ الأطماع الإيطالية في الحبشة في الثلاثينات من القرن العشرين، وإنما بدأت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي، فبعد أن خطّطت إيطاليا واستولت على مستعمرة أريتريا احتاجت أيضاً لتأمين حدود الحبشة الشرقية والحدود الجنوبية لمستعمرتها في" أوبيا" و"الميجرتين"، وکانت أيضاً تخطّط لاحتلال الحبشة منذ احتلالها " مصوع " (1303هـ/1885م).
وبنهاية القرن التاسع عشر بدأت إنجلترا تنظر بعين الارتياب لمحاولة بعض الدول الأوروبية وعلى رأسها إيطاليا التسلّل إلى شرق أفريقيا ، والتقدّم صوب أعالي النيل، على حساب الممتلکات المصرية السابقة في السودان وما جاوره ، وبخاصّة أن إنجلترا کانت تعتبر إخلاء مصر للسودان- بعد الثورة المهدية - عملاً مؤقتاً لتستطيع الأولى ـ مصرـ تکوين جيش قوي لاستعادة السودان من جديد، وفي نفس الوقت فإن التمسک بهذا المنظور يفيد إنجلترا في وضع يدها على السودان باسم مصر.
في المقابل کانت منطقة أعالي النيل على درجة کبيرة من الأهمية بالنسبة لمشروعات إنجلترا التوسعية في أفريقيا ، فقد کانت تحلم بخلق إمبراطورية تمتد من سواحل البحر المتوسط شمالاً وصولاً إلى مدينة " الکاب " جنوباً، لتشطر القارة الأفريقية شطرين، ولذلک کان لزاماً على إنجلترا أن تحول بين إيطاليا والحبشة.
ووفق الوثائق حاولت إنجلترا استرضاء إيطاليا التي عارضت هي الأخرى الاحتلال البريطاني لمصر دون أن يکون لها نصيب في تلک الغنيمة ، وعندما أبدت إيطاليا اهتماماً کبيراً بميناء "عصب" بعد أن اشترته من الشرکة الإيطالية عام1299هـ / 1882م، وأرادت أن تتخذ منه منفذاً لها على مياه البحر الأحمر، وجدت إنجلترا أنه من الحکمة تشجيع إيطاليا على فتح مجال لتوسعاتها في المنطقة، فوقعت اتفاقاً معها عام1302هـ/ 1885م أعطت بموجبه الأخيرة ميناء "مصوع" المصري، ولم يقف الأمر عند حد احتلال إيطاليا للميناء المصري، بل زادت أطماعها، وسعت لاحتلال الحبشة .
وحدث صراع بعد ذلک بين الأحباش والإيطاليين في (1313هـ/1895م) فأعدت إيطاليا حملة لغزو الحبشة في ديسمبر من ذلک العام باءت بالفشل، وعلى الرغم من هزيمة الايطاليين في أول مواجهة فقد حدثت مواجهة أخرى بعد ذلک في مکان يقال له "عدوة" في (1313هـ/ أول مارس 1896م) وهُزِم الجيش الإيطالي هزيمة بالغة تُعَدُّ من أسوأ الهزائم في القرن التاسع عشر، حيث استطاع الأحباش قتل ستة آلاف من الجيش الإيطالي، وأسر مثلهم ، والاستيلاء على جميع مدافع  وعُدّة الجيش الإيطالي .
وقد أثّرت نتيجة تلک المعرکة بشکل واضح على السياسة الاستعمارية للإيطاليين؛ فقد أرغمها الملک الحبشي على توقيع معاهدة "أديس أبابا" في 26 أکتوبر من نفس العام، التي اعترفت فيها إيطاليا باستقلال الحبشة وتحديد الحدود بينها وبين أرتريا.
ثم تجددت الأطماع الإيطالية مرة أخرى في احتلال الحبشة في الثلاثينيات من القرن العشرين الميلادي  .

الكلمات الرئيسية