لعلَّ اشتغالي في مجال نقد النقد، وتنامي اهتمامي بدراسة العتبات النصِّيَّة (Pretexts)، أوحى إليَّ بدراسة "عتبات النصِّ النقديّ" مؤمناً بجدوى هذا الموضوع وجِدَّتِه، لاسيَّما بعد البحث والاستقصاء في کتابات جيرار جينيت (GerardGenette) وغيره من النقاد ذوي الاهتمام بالعتبات النصّيَّة، إذ تبيَّن أنَّها إنَّما کانت تتحدَّث عن عتبات النصِّ الإبداعيِّ بالدرجة الأولى؛ أمَّا هذا الموضوع والذي يندرج تحت فرع جديد نسبياً هو "نقد النقد"، فلم يخُضْه أحدٌ من النقاد من قبلُ، ولم تُعيَّنْ خصوصيَّاتُه التي تميِّزه من غيره، والتي ستکون رافداً معرفيَّاً يضاف إلى ما کُتب في "نقد النقد". لکنِّي عقدت العزم على الشروع في هذه البحث بعد أن انتهيت مؤخَّراً من قراءة کتاب "عتبات"لـ)جينيت)، إذ نبَّه المترجم (عبد الحقِّ بلعابد) في خاتمة الکتاب إلى أنَّ العتبات النصّيَّة: "تحتاج دائماً إلى إضافات بحثيَّة، وأنَّ کتاب عتبات يعد مقدِّمة فقط لوضع نَمْذَجَةٍ عامَّة لدراسة المناص، لأنَّ مفاهيمه ومصطلحاته الدارسة له ووظائفه الجماليَّة والتداوليَّة لم تکتمل بعد، وهذا للحرکيَّة المستمرَّة لهذا المصطلح [...] وهذه الحرکيَّة المصطلحيَّة التي تتبَّعناها لمصطلح المناص، جعلتنا لا نلمُّ بکلِّ اشتغالاته، وانشغالاته، لکثرة مجالاته"([1]) من المؤکَّد أنَّ ما قدَّمه (جينيت) في باب "العتبات النصّيَّة" - في معظمه أو أقلِّه - دارَ في خَلَد نقَّاد وباحثين قبله، کأهميَّة العنوان، والإهداء، والمقدِّمة وغيرها ...؛ لکنه أضاف إليه، وبَلْوَرَهُ، فکان الرائد في لفت الأنظار إلى هذا الباب، والتنظير له بوصفه جانباً جديداً يفتح آفاقاً رحبة لدارسي الأدب، وفي هذا السياق يتابع هذا البحث؛ أملاً في أن يکون باکورةً في بابه بما يقدِّم من إضافةٍ متواضعةٍ إلى دارسي النقد. وعلى ضوء الدراسات النقديَّة الحديثة يتبيَّن أنَّ جهود (جينيت) وغيره قد آتتْ أُکُلَهَا، وأفلحت في توجيه اهتمام دارسي الأدب نحو العناية بهذا الجانب، اهتماماً لا تجد له نظيراً لدى دارسي النقد بفرعيه النظريِّ والتطبيقيِّ؛ لِما في طبيعة عتبات الأدب والنقد من اختلافٍ نسبيٍّ، لا ينفي ضرورة العناية بالأخير منهما، "ومن لا ينتبه إلى طبيعة ونوعيَّة العتبات [کذا]* يتعثَّر بها. ومن لا يحسن التمييز بينها، من حيث أنواعها وطبيعتها ووظائفها، يخطئ أبواب النصّ"([2]) فکانت غاية هذا البحث الکشف عن وجوه الاختلاف بين أبرز عتبات النصِّ النقديّ وما يناظرها في النصِّ الإبداعيِّ من حيث الموقع والخصائص والبنية الوظيفيَّة، إذ توجَّه نحو تعيينها أولاً، ثم تحليلها لبيان خصائصها المفردة، وصولاً إلى ما يمکن أن تقدِّمه من جديد للمشتغلين في حقل "نقد النقد"، معتمداً في ذلک المنهج الاستقرائي.