البلاغة النبوية في استخدام معطيات البيئة الحسية کوسائل تعليمية (دراسة في کتب السنة)

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

الأستاذ المساعد في کلية اللغة العربية بأسيوط– جامعة الأزهر الأستاذ المساعد في کلية الآداب والعلوم جامعة سلمان بن عبد العزيز

المستخلص

نحمد الله – تعالى - عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد کلماته، ونشهد أن لا إله إلا هو، وأن محمدًا عبده ورسوله، ونصلي عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ..وبعد
فإن مشکلات التعليم والتواصل مع الآخرين تتمثل في تبليغ المعاني المقصودة لأفراد، أو مجموعات بينها تفاوت في درجة الفهم والاستيعاب، وتحتاج إلى وسائل مختلفة لإتمام عملية التوصيل .
هذه الوسائل قد تتوفر لبعض الناس، ولا تتوفر للآخرين، وقد تنجح في تحقيق الغرض، وقد لا تنجح في تحقيقه .
والرسول r--قد عالج في أساليبه المشکلتين ببساطة شديدة، ودقة عالية حيث استخدم مقومات البيئة المعروفة للجميع في التنبيه للمعاني قبل تبليغها، وتقريرها في أثناء ذکرها، وتثبيتها بعد تقريرها لارتباطها في الذهن بأشياء محسوسة، وقد قرر علماء النفس أن ارتباط المعلومات بأمور مقارنة لها في الفکر تجعلها أبقى على الزمن، وأثبت في النفس، فلا بدع أن يکون ما ذکرنا داعيًا من دواعي حفظ الصحابة لسنة رسول الله r--لأنهم هم المشاهدون لتلک الوقائع المشافهون بکلام سيد الخلق في هذه المناسبات الملائمة([1]).
وإن حصر هذه الطرق والوسائل وتطبيقها في المجال التعليمي يحقق الفوائد المرجوة من العملية التعليمية مع توفير المال والجهد والوقت .
ومن المنطقي أن يکون المرجع في أي مسألة من المسائل هو أبرع من تخصص فيها، ومن الراسخ في عقيدتنا أن الرسول r--هو المعلم الأعظم،وقد کان النموذج الأعظم في کل مجال والنتائج التي حققها في مجال التربية، والتعليم فاقت کل ما حققته النظريات التعليمية القديمة والحديثة.
وکتب السنة زاخرة بالطرق البارعة في التعليم والشرح والتوضيح ، وقد استخدم الرسول r--بعبقرية وبراعة کل معطيات البيئة التي تسهم في توصيل المعلومات وتوضيح المبهمات وتثبيت المقررات .
فقد استخدم الحصى والرسم والخط وفروع الأشجار والثمار واستخدم الاستفهام ، والمثل والتشبيه ومختلف ألوان التصوير لما حوله من مظاهر الطبيعة لتبليغ ما أوحي إليه ولتعليم الناس وتحقيق استراتيجيات الإقناع .
وهي وسائل متاحة بسيطة لکنها قوية الأثر عميقة الدلالة ، إذا أحسن المتکلم توظيفها ، ومن الأهمية بمکان الاستفادة من هذه الطرق التي سخَّرت معطيات البيئة البسيطة ، والمعقدة في العملية التعليمية، وحققت أعظم نتائج على مر التاريخ، فقد استطاع أن يجمع قبائل متفرقة ، ويهذب أخلاقًا جافية ، ويبني أمة قادت الأمم من غياهب الجور إلى دروب النور، وصنع من أفرادها نماذج قادت البشرية في کل مجالات الحياة .
ويسعى هذا البحث إلى جمع هذه الطرق النبوية، وعرضها، وشرحها،وتقديمها للمعلمين، والدعاة والمصلحين، والباحثين حتى يحققوا الاستفادة من معطيات البيئة حولهم في التوضيح والتقرير والتعليم دون کلفة قد لا تتوفر لأکثرهم.
کما يکشف جانبًا من البلاغة النبوية في هذا المنحى الدقيق الذي يتميز بقوة الأثر وعمومه وعمقه، ويهدف البحث إلى الخروج بدراسة علمية في کتب السنة عن بلاغة الرسول r--في استخدام الوسائل الحسية کوسائل تعبيرية في العملية التعليمية، وکيف وظفها في المقامات المختلفة لتحقيق الإنصات قبل العملية التعليمية ، وتثبيت المعنى بعد تمامه، وتقريره، وتوضيحه فيما بينهما،کما يسعى إلى تحقيق مجموعة من الأهداف منها :
1- عرض الطريقة النبوية في استخدام الوسائل الحسية في تقرير المعاني .
2- کيفية توظيف النبي r--لمقومات البيئة في إتمام العملية التعليمية .
3- دراسة طرق النبي r--لتقرير المعاني في المقامات المختلفة مع اختلاف الأفهام وتفاوت الناس في درجات الفهم والاستيعاب .
4- تنبيه المعلمين، والدعاة، والمصلحين إلى المنهل النبوي عند البحث عن وسائل تربوية، وتعليمية تحقق مقاصدهم .
5- توظيف الأفکار النبوية في المجالات العملية لتحل محل النظريات الغربية التي قد لا تصلح لقيمنا وديننا .
6- کشف ما أمکن من مظاهر البلاغة النبوية في إطار استخدام مقومات البيئة الحسية کوسائل تعبيرية .
وتبدو قيمة هذا الموضوع من جهتين: الأولى:من شرف مادته حيث إنه يدرسأحاديث الرسولr--في کتب السنة، والثانية : طرافة الموضوع وجدَّته حيث إنه يتناول بلاغة الرسول --rفي شيء خاص وجانب لم يطرقه الدارسون للبلاغة النبوية على کثرتهم وعلى کثرة الدراسات البلاغية التي تناولت البلاغة النبوية ،وهو بلاغة توظيف مقومات البيئة الحسية کوسائل تعبيرية ، وتعليمية لتقرير المعاني، وتثبيتها، ومن تعرض لدراسة هذه الوسائل تعرَّض لها في أثناء دراسة غيرها من الموضوعات،ولم تفرد لها دراسة خاصة حتى الآن تجمع ما تفرق عند العلماء وتتدارک ما فاتهم، وهو ما تطّلع به هذه الدراسة وهو سبب تفردها .
 
 

الكلمات الرئيسية