جريمة الانحراف الفکري وأثرها على أمن المجتمع دراسة فقهية معاصرة

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

کلية العلوم الإدارية والإنسانية قسم الحقوق ـ کليات بريدة ـ المملکة العربية السعودية

المستخلص

فإن أفضل ما مُيزت به هذه الأمة الوسط ([1]) (الاعتدال وعدم الانحراف )، فهما من أجل خصائص ومُميزيات الإسلام وهما وسام شرف الأمة الإسلامية ؛ من أجل ذلک استحقت أمة الإسلام بوسطيتها واعتدالها وعدم انحرافها أن تکون


شهيدة ([2])على الناس من حيث لا تشهد عليها أمة أخرى؛ قال الله تعالى: "وَکَذَلِکَ جَعَلْنَاکُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَکُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَکُونَ الرَّسُولُ عَلَيْکُمْ شَهِيدًا" ([3]) وقد ظهر في هذا الزمان أحزاب وجماعات إسلامية تبنت مبدأ العنف والخروج على المجتمعات الإسلامية فضلاً عن المجتمعات الکافرة ، يغلب على أفعالها الجهل ([4])والسفه ،([5])ومن ثم التکفير ، والتفسيق ، والتفجير ، والترويع ، واستحلال دماء المسلمين ، والمستأمَنين ([6])، والمعاهَدين ،ولهذا جاءت أفعالهم طائشة لم تُوزن بميزان الکتاب والسنة ، ولهذا ترى أنهم لا يفرقون بين مسلم مخالف لهم في فکرهم وعقيدتهم ، أو مسلم عاص ، أو کافر ذمي ، أو معاهد ،
أو مستأمن.

ولهذا وُصم الإسلام من جراء أفعالهم الشنيعة هذه بکل قبيح ومشين، وما حدث وما يحدث للإسلام والمسلمين لهو مثال شاخص وماثل أمام الجميع.
لقد اشتدَّت غربةُ الإسلام في هذا الزمان، وزهد الکثيرون من أهله فيما فيه من الحقِّ والهُدى الذي نزل من الحکيم الخبير، واعتنقوا بذلک أنظمة وضعها البشر، ونتيجة لذلک حلَّ بالمسلمين الضعف والهوان ، وأحاطت بهم أنواع الفتن ، ومِن ذلک ما وقع في البلاد الإسلامية وغيرها من تکفير وتفجير أُطلق عليه اسم الإرهاب ، جرَّ على المسلمين الويلات والخطوب.([7])
ولهذا وجب على من يريد التصدي لمسألة معالجة الانحراف الفکري أن يکون قادرا على مناقشة الفکر بالفکر، فالتکفير باسم الدين، والتفسيق باسم الدين، والتفجير باسم الدين ،ومن ثم القتل باسم الدين ، قضية فکرية في الدرجة الأولى ،ولا بد لها من علاج فکرى، وقد استصنع الماکرون اساليب خبيثة ماکرة تتستر بستار خادع يدخل على عقول ذوي الغفلة تحت اسم الدين فنقول لهم " کَبُرَتْ کَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا کَذِبًا".



([1]) الإسلام دينا وسطا بين غيره من الأديان السماوية  ، فيه من کل دين أيسره وأحسنه ، وأکثره ملائمة وتمشيا مع الطبائع المختلفة لبني الإنسان ، فمثلا عقوبة القتل العمد في الشريعة اليهودية القصاص ولا بد ، وفي الشريعة المسيحية العفو ، وأکاد أقول ولا بد   ، فجاءت شريعة الإسلام تخير ولي الدم بين القصاص والعفو ، وکان هذا أمرا وسطا ، يتمشى مع الطبائع المختلفة : فمن طبائع الناس طبائع لا يشفي غلها إلا القصاص ، ومنها طبائع هينة لينة ، تميل إلى التسامح وتأخذ بالعفو ، وفي شريعة الإسلام ما يساير طبيعة هؤلاء وأولئک .، ومثلا : الزواج ، أطلقته الشريعة اليهودية ، ولم تقيده التوراة بعدد معين من النساء ، وقصرته الشريعة المسيحية على امرأة واحدة ، لأن الأصل فيها هو التبتل ، فإذا کان ولا بد فزوجة واحدة تکفي ، أما الشريعة الإسلامية ، فقد جاءت بتشريع وسط بين هذا وذاک ، تشريع يرضي رغبة من يريد التعدد ، ولکن بحدود وقيود ، فأباحت له أن يجمع بين أربع زوجات ولا يزيد ، بشرط أن يعدل بينهن ولا يجور ، وقصرت من لا يأمن على نفسه الجور على زوجة واحدة فقط .
ـ و يشهد لوسطية الإسلام في تشريعه قوله تعالى: " وَکَذَلِکَ جَعَلْنَاکُمْ أُمَّةً وَسَطًا "  مع ما استقر في العقول من أن خير الأمور أوسطها ، فالوسطية حزام أمان من الغلو والتفريط ، فإن من غلا في عبادة أو معتقد أو فرط فيها يوشک أن ينقلب عليه الأمر ، ومن الأدلة : قوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر : ( إن لنفسک عليک حقًا ولربک عليک حقًا ولزوجک عليک حقًا فأعط کل ذي حقٍ حقه ) . مجلة البحوث الإسلامية - مجلة دورية تصدر عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد ،المؤلف : الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد  1/54  ، تلقيح الافهام العلية بشرح القواعد الفقهية  وليد السعيدان 1/34


([2]) إذا کانت الشهادة في أمر عادي لا تصلح إلا ممن کان عدلا تتوفر فيه شروط العدالة من العقل والصدق والأمانة ومکارم الأخلاق، فکيف الأمر بمن يکون شهيدا على الناس جميعا، وإذا وقفنا عند الوسطية التي قصد بها الشهادة يظهر لنا بما لا يدع مجالا للشک الأمور الآتية:

الكلمات الرئيسية