الفعل في قراءة أنس بن مالک دراسة نحوية دلالية

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

في قسم النحو والصرف وفقه اللغة فى کلية اللغة العربية جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

المستخلص

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
فلا شک أنَّ القرآن الکريم بقراءاته کان المصدر الأهمَّ من مصادر علماء اللغة والنحو، حين أرادوا التقعيد ووضع الأحکام التي تضبط علم اللغة، لتکون على منهاج بيِّن لمن أراد التکلم بها على طريقة العرب وسَننها ، وقد أولى العلماءُ - ومنهم علماء اللغة والنحو - القراءاتِ القرآنيةَ کل عناية واهتمام، واستنبطوا منها کثيرًا من الأحکام والقواعد، وناقشوا ما جاء مخالفًا في ظاهره ما استقر من قواعد اللغة، أو خالف الکثير الشائع من کلام العرب، وکان للقراءات الشاذة نصيب من هذه العناية، فمن يقرأ في کتب التفسير والقراءات واللغة والنحو يجد حديثهم في تخريج هذه القراءات منثورًا فيها، بل إنه قد خصصت بعض الکتب في توجيه القراءات، وکتب أخرى خصصت لتوجيه الشاذة منها.
        ولقد لفت انتباهي ما وقفت عليه من قراءة أحد أعلام الصحابة المقربين من الرسول r، وکان ملازمًا له فترة طويلة من عمره، وهو أنس بن مالک t، فقد کان عالمًا بقراءة الرسول r، ومن شواهد ذلک ما روي عنه، أنّه سئل عن قراءة رسول الله r، فقال: (کانت قراءته مدّا، ثمّ قرأ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} يمدّ {بِسْمِ اللَّهِ}، ويمدّ {الرَّحْمنِ}، ويمدّ {الرَّحِيمِ})([1]).
وقد رأيت له قراءات مختلفة متعلقة بالفعل، تستحق أن ينظر فيها ويقرأ في توجيه العلماء لها، وأحسب أن البحث فيها والنظر في کلام العلماء في توجيهها يضيف کثيرًا للدراسات النحوية واللغوية، فمما رأيته في قراءته أنه قد خالف المشهور من القراءات، بل إن في بعض قراءاته من الغرابة ما يصل إلى أنه ـ t ـ يقرأ الاسم في القراءة المشهورة فعلاً، وهذا الإجراء ينبني عليه ما يستحق النظر من الدراسة والتأمل في التوجيه والتأويل، ومن ذلک إسناده في بعض قراءاته بعض الأفعال إلى ضمائر أخرى مخالفة للإسناد الذي کانت عليه، وهذا أيضًا ينبني عليه ما يدعو للبحث والنظر، فآثرت أن يکون بحثي في هذا الجانب، وسميته "الفعل في قراءة أنس بن مالک دراسة نحوية دلالية".
وکما يظهر من العنوان، فقد تناولت في هذه الدراسة جانبين مهمين، الأول الجانب النحوي، الذي وجد من العلماء کل عناية واهتمام، والجانب الآخر الجانب المعنوي الدلالي؛ لأنه من المعلوم بالضرورة أن اختلاف المبنى ينبني عليه - غالبًا - اختلاف في المعنى، واختلاف المعاني يلزم منها – غالبًا - اختلاف الأحکام التي تدل عليها هذه الآيات، وسيکشف البحث کل هذه الجوانب، وسيظهر اختلاف تلک الأحکام الفقهية أو غيرها بسبب اختلاف تلک القراءات، والاختلاف في بنية الکلمات وسياق الکلام، وما إلى ذلک، مع المقارنة وبيان الفروق بين قراءة أنس t وقراءة غيره.
وقد استقصيت في بحثي کل ما يتعلق بالفعل من قراءة أنس t، مع طول بحث وتنقيب، ثم رجعت إلى أهم المصادر التي تحدثت عن هذه القراءات من کتب التفسير والقراءات وإعراب القرآن والنحو واللغة، واستنبطت منها أهم أقوال العلماء في توجيهها وبيان مرادها، والفرق بينها وبين القراءة المقابلة لها.علمًا أني لم أقف بحسب اطلاعي على من خصَّ هذا الموضوع بدراسة.
وبدأت البحث بمقدمة أوضحت فيها أهمية الموضوع، وأسباب اختياره، والمنهج المتبع فيه، ثم انتقلت إلى تمهيد للبحث، ورأيت أنه من المناسب أن أتحدث فيه عن أمر له علاقة کبيرة بالبحث، ويحتاجه قارئه، وهو عن القراءة الشاذة وتعريفها وبعض أحکامها؛ لأني رأيت أکثر قراءات هذا البحث من هذا النوع، وقد تطرقت فيه إلى نقاشات وآراء للعلماء متعلقة بالقراءة الشاذة، فهذا التمهيد سييسر على القارئ کشف کثير مما قاله العلماء في ثنايا هذا البحث، ثم شرعت في صلب البحث وقسمته أربعة مباحث، المبحث الأول: قراءة الأسماء أفعالاً، وفي هذا المبحث تحدثت عن قراءات أنس التي قرأ فيها الأسماء في قراءة الجمهور والعامة أفعالاً، وجعلت کل قراءة في مطلب، أوضحت فيه توجيه العلماء لها، توجيهًا من الناحية النحوية، والدلالية، وبيان الفرق بينها وبين قراءة الجمهور من حيث المعنى والصنعة النحوية، وما يلزم منه من اختلاف في بعض الأحکام الشرعية أو غيرها. والمبحث الثاني: قراءة الأفعال بأفعال أخرى موافقة لها في المعنى والإعراب، وقد صنعت فيه ما صنعت في الأول، والمبحث الثالث: قراءة أنس الفعل بقراءة اختلف فيها إسناده للضمائر عن الإسناد الذي کان لها في القراءة الأخرى، وقد نهجت فيه النهج السابق، والمبحث الرابع: قراءة الفعل المثبت منفيًّا، ثم ذکرت أبرز نتائج هذا البحث في خاتمة، ثم ذکرت في ذيل البحث ثبتًا للمصادر والمراجع.
وأسأل الله ـ سبحانه ـ أن يکون هذا البحث خالصًا لوجهه الکريم، حائزًا على رضاه، نافعًا لمن قرأه، مضيفًا ما ينفع ويفيد في الدراسات النحوية المتعلقة بالقرآن الکريم وقراءاته، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.
 
 
 

الكلمات الرئيسية