لَا أَدْرِي فِي کَلَامِ اللُّغَوِيِّينَ جَمْعًا وَتَحْقِيقًا وَدِرَاسَةً

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

کلية اللغة العربية فرع جامعة الأزهر في إيتاي البارود

المستخلص

        فقد أعلى اللهُ قَدر هذه اللُّغَة، وشرَّفها، وأعاد إليها بالقرآن الکريم جلالها ورونقها، وفضَّلها به على سائر اللغات وقدَّمَهَا، حَتى قَالَ إمَامُنا الشَّافِعِيُّ - t-: لِسَانُ الْعَرَبِ أَوْسَعُ الأَلسنةِ مذهبًا، وأعظمها مطلبًا، وأکثرُها أَلفاظاً، وَلَا نعلم أَنَّهُ يُحِيطُ بِجَمِيعِ عِلمِهِ إنسانٌ غَير نَبيّ، وَلکِنَّهُ لَا يذهب مِنْهُ شَيْء عَلَى عَامتها، حَتَّى لَا يکون مَوْجُودًا فِيهَا من يعرفهُ([1]).
وقد استوقفني قوله هذا، وقول أَبِي الْحَسَن أَحْمد بن فَارِس معلقًا على کلامه: وَهَذَا کَلَامٌ حَرِيٌّ أَنْ يکون صَحِيحًا، وَمَا بلغنَا عَنْ أَحَدٍ مِمَّن مَضَى أَنَّهُ ادَّعَى حِفظ اللُّغَة کُلِّها، فَأَمَّا الْکتاب الْمَنْسُوب إِلَى الْخَلِيل، وَمَا فِي خاتمته من قَوْله: هَذَا آخرُ کَلَام الْعَرَب فقد کَانَ الْخَلِيل أَوْرَع وأَتقى لله تَعَالَى من أَن يَقُول ذَلِک([2]).
وأيقنت أنَّ هناک ألفاظًا من العربية قد خفيت على أهلها، لاسيما من حذق باللغة من کبار اللغويين، فتوقف بعضهم حيالها -وما توقَّف في يسير- قائلًا:      (لَا أَدْرِي)؛ لجهالته بها، أو لعدم الوثوق براويتها، أو لتردده وتشککه في سماعها، وغير ذلک، ومعنى قوله: لَا أَدْرِي: أنَّ هناک وجهًا لا يعلمه، قد يعلمه غيره، وهذا هو الجديد الذي يجب أن يُبحث عنه؛ ليبرز ويدرس، ومن هنا توقَّفتُ طيلة عامٍ کامل أجمع ما لم يدره اللغويون من ألفاظ اللغة، وأعرضها على غيرهم بغية کونهم قد دروه، فَحَصَّلتُ من ذلک سبعة وثمانين وأربعمائة قول (لَا أَدْرِي) صراحةً لکبار اللغويين: کأَبي عَمْرو بْن الْعَلَاءِ المتوفى (154هـ)، والخليل بن أحمد الفراهيدي، المتوفى (175هـ)، وعلي بن حمزة الکسائي، المتوفى (189هـ)، وعلى بن حازم اللّحيانى، وسَلَمَة بن عَاصِم، من أصحاب الفرّاء، المتوفى (207هـ)، وأبي سعيد عبد الْملک بن قُرَيْب الْأَصْمَعِيّ المتوفى(216هـ)، وأبي عبيد القاسم بن سلام المتوفى (224هـ)، وأبي عبد الله مُحَمَّد بن زِياد الأعرابيّ، المتوفى(231هـ)، وشَمِر بن حَمْدَوَيْه، المتوفى (255هـ)، وأَبي حَاتِم سَهْل بن مُحَمَّد السِّجستاني، المتوفى (255هـ)، وأبي الْفضل الْعَبَّاس بن الْفرج الرِّياشي، المتوفى(257هـ)، وأَبي سعيد الْحسن بن الحُسين السُّکرِيّ، المتوفى (275هـ)، وأبي حنيفَة الدينَوَرِي، المتوفى (290هـ)، وأَحْمد بن يحيى ثعلب المتوفى (291هـ)، وأبي بکر محمد بن الحسن بن دريد، المتوفى (321هـ)، وأبي عليّ القالي، المتوفى (356هـ)، وأبي منصور الأزهري، المتوفى (370هـ) وأبي عَليّ الْحسن بن سُلَيْمَان الْفَارِسِي المتوفى (377هـ)، والصَّاحب بن عباد، المتوفى (385هـ)، وأبي الحسين أحمد بن فارس، المتوفى (395هـ)، وإسماعيل بن نصر بن حماد الجوهري المتوفى (398هـ)،  وأبي الحسن علي بن سيده، المتوفى (458هـ)، ومُحَمَّد بن الطيِّب الفَاسيّ، المتوفى (1170هـ)، ومحمد مرتضى الزَّبيدي، المتوفى (1205هـ).
وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على عظمة هذه اللغة، وثقة رواتها، وأمانة ناقليها، وحرصهم على نقل صحيح اللغة بکل أمانة واقتدار.
وقد نهجنا في هذا البحث منهجًا استقرائيًّا تحليليًّا، ووصفيًّا تقابليًّا؛ حيث قمنا بقراءة المصادر واستخراج المادة المطلوبة منها، وتحليلها، ومن ثم عرض ما لم يدره اللغويون من ألفاظ اللغة، على غيرهم ممن دروه، معتمدين خاصة في العمل المعجمي على الإحصاء لا الانتقاء، ونزعم أنَّه ما ندَّ عَنَّا في هذا المعجم غير القليل مما جاء مبهمًا غير معزو إلى قائله، فمثل هذا ترکناه وهو من القليل النادر، الذي لا يجاوز عدده أصابع اليد الواحدة، مثل هذا المثال المنسوب إلى بعض أهل اللُّغَةِ (عمومًا) وفيه: "والفَخْتُ: ضَوْءُ الْقَمَرِ أَوَّلَ مَا يَبْدُو، وعَمَّ بِهِ بعضُهم؛ يُقَالُ: جَلَسْنا فِي الفَخْت؛ وَقَالَ شِمْر: لَمْ أَسمع الفَخْتَ إِلّا هَاهُنَا. قَالَ أَبوإِسحاق: قَالَ بَعْضُ أَهل اللُّغَةِ: الفَخْتُ، لَا أَدْرِي اسْمُ ضَوْئه، أَم اسمُ ظُلْمته. واسمُ ظُلْمة ظِلِّه عَلَى الْحَقِيقَةِ: السَّمَر؛ وَلِهَذَا قِيلَ لِلْمُتَحَدِّثِينَ لَيْلًا: سُمَّار؛ قَالَ أَبوالْعَبَّاسِ: الصَّوَابُ فِيهِ ظِلُّ الْقَمَرِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: الصَّوَابُ مَا قَالَهُ؛ لأَنَّ الفاخِتَةَ بلَوْنِ الظِّلِّ، أَشْبَهُ مِنْهَا بلَوْنِ الضَّوْء"([3]).
وقد جاء هذا البحث بعون الله وتوفيقه في: مقدمةٍ، وتمهيدٍ، ومبحثين، وخاتمة، وفهارس.
المقدمة: تناولنا فيها أهمية الموضوع، وهدفه الذي يرمي إليه، والمنهج الذي نهجناه.
        وأما التمهيد وعنوانه: (لا أدري في تراث العربية)، فعقدناه للتعريف بلفظة لا أدري لغة واصطلاحًا، وتوضيح الفرق بين الدراية، والعلم، والمعرفة، وما أُثر من قول لا أدري في تراث العربية وأقوال العلماء في ذلک.
والمبحث الأول: وعنوانه: (لا أدري مجموعًا من کلام اللغويين)، فهو عمل معجمي عقدناه لما جمعناه من أقوال اللغويين في هذا المضمار، وقمنا بترتيبه ترتيبًا أبجديًاعلى حروف المعجم، وذيَّلناه بالحواشي التي تحقق نسبة کل قول إلى قائله، وتبين غرضه ومقصوده، والجواب عما لم يدره من ألفاظٍ ومسائل في أغلب الأحيان،وکل موضعٍ في الحاشية مکتوب فيه: (قُلْتُ)، فإنَّه مما طالعته وأضفته من کتب اللغة المعول عليها حينًا،أومما فتح الله به عليَّ من فيوضاتٍ أسهمت في تقديم بعض الأجوبة في مواطن متعددة.
 والمبحث الثاني:قسم الدراسة جاء بعنوان: (لا أدري في کلام اللغويين، ملامح لغوية، ومظاهر منهجية)، وقد عقدناه لدراسة الألفاظ الواردة في المعجم لغويًا ومنهجيًا، ومن ثم وقع في مطلبين:
         المطلب الأول: (الملامح اللغوية للا أدري في کلام اللغويين)، ويحتوي على: نماذج لما قال فيه اللغويون: لا أدري في مسائل صوتية کالإبدال اللغوي بين(الصوامت)، و(الصوائت)، وتحقيق الهمز وتخفيفه، والمعاقبة بين الواو والياء، والمخالفة الصوتية، والفک والإدغام، والقلب المکاني، ولا أدري في مسائل بنيية کاختلاف صيغة الماضي، والمضارع، وطول البنية وقصرها، والمقصور والممدود وغير ذلک، ولا أدري في مسائل ترکيبية کأمثلة ما يُذَّکر ويُؤنث من الأسماء، وما يُستعمل من الأفعال لازمًا ومتعديًا، ولا أدري في مسائل دلالية کالاشتقاق، والتأصيل اللغوي، وتعليل التسمية، والترادف، والاشتراک اللفظي، والتضاد، والصواب اللغوي، والفروق اللغوية، والمُعرّب،وهکذا جاءت هذه الدراسة مستوعبة للمستويات اللغوية الأربعة وفق مايقضي به الدرس اللغوي الحديث.
        المطلب الثاني: (المظاهر المنهجية للا أدري في کلام اللغويين)، وقد ضم هذا المطلب خمسة عشر مظهرًا منهجيًّا هي:

o       لا أدري في القراءات القرآنية.
o       لا أدري في معرفة شعر.
o       لا أدري في معرفة شاعر.
o       لا أدري في تفسير شعر.
o       لا أدري تعجبًا من بعض الروايات الشعرية.
o       لا أدري في قول الشاعر نفسه.
o       لا أدري أمانةً في النقل.
o       لا أدري في مناهج المؤلفين.
o       لا أدري درءًا للتصحيف.
o       لا أدري في وصف شيءٍ أو بيان کيفية استعماله.
o       لا أدري تمسکًا بوجه من الوجوه.
o       لا أدري دلالة على  النسيان.
o       لا أدري استطرادًا في الکلام.
o       لا أدري في معرفة موضع.
o       لا أدري تشککًا في رواية راوٍ أو قول قائل.

هذا ويتميز هذا البحث من وجهة نظري المتواضعة بأنه مشفوع بثلاثة أنواعٍ من الدراسات:


 

الكلمات الرئيسية