مضامين الخطاب الشعري عند الحازمي

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

بکلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة جازان

المستخلص

إن فکرة التطور الأدبي تأتي في الأساس لصيقة بالسياق الحضاري بتجلياته  المختلفة, وينتج عن فکرة التطور أو التغير فکرة المفهوم الخاص بالإبداع الأدبي  مهما تنوعت هيئاته  وأساليبه.
والشعر هو أحد الأساليب الأدبية المهمة، وقد تنوع الاهتمام به بين راصد  للنظرية الشعرية، وراصد للمفهوم الشعري، وقد فرق الباحثون في ذلک السياق بين النظرية والمفهوم: فالنظرية - على حد تعبير عز الدين إسماعيل - لا زمانية، والمفاهيم لصيقة بالزمن أو التاريخ، لأنها وليدة تأملات فردية لأشخاص بأعيانهم.
وقد أدى ارتباط المفهوم الشعري بالزمن أو التاريخ، الى انفتاحه للتغيير  والتبديل، ففي نهاية الثلاثينات من القرن الماضي بدأت الروح الکلاسيکية تنحسر تدريجيا، وبدأ يحل مکانها روح جديدة ترتبط بالذات الفردية، فنقطة الانطلاق الوحيدة عند جميع الرومانسيين مهما تنوعت نقاط وصولهم هي حتما فعل وعي الذات.
فالشعر – عند أقطاب هذا الاتجاه – وسيلة للتعبير عن الذات، وقد کان هذا التوجيه منطقيا ومبررا، في ظل السياق الخاص بالنزوع الى التحرر, ولکن هذا التمحور حول الذات أثر تأثيرا واضحاً على نغمة القصيدة، وجعلها خطابية الى حد بعيد فقد تحولت القصيدة الى غناء مرسل تتداعى فيه الخواطر والأحاسيس مباشرة دون محاولة لتأطير هذه التعبيرية المباشرة، وکأن الشعر والأدب عندها  تغريد طائر، أو خرير ماء أو دوى رياح قصف رعد، لا يصدر عن صنعة مقصودة أو نشاط ذهني وعمل إدارة، وضابطها الوحيد هو هدى السليقة، وإحساس الطبع.
إن الرومانسية وإن حررت الشعر العربي من أغراض القصيدة التقليدية، التي کانت  شائعة في الکلاسيکية فإنها أدت الى ميلاد التقوقع الذاتي وأدى في بعض الأحيان الى وجود نوع من المباشرة التعبيرية وهذا المنهج في کتابة القصيدة کفيل بإنهاکها، ويجعلها وجودا هلاميا يعسر الإحساس به.
 وربما کانت جزئية النبرة الذاتية، التي وجدت بشکل ملحوظ بعد طغيان المفهوم الرومانسي، وإحدى الأسباب الأساسية في وجود مفهوم جديد للشعر، لم يشکل کاملا إلا في إطار نسق متقابل ومتضاد مع المفهوم الرومانسي السابق، يتمثل ذلک في المفهوم الواقعي، فهو يقوم على العناصر الواقعية، بما فيها من شر وحقائق، إنه موقف يستهدف تصوير الحياة بأمانة مع البحث والنظر في جميع جوانب  الواقع المختلفة.
الواقعية - إذن – مذهب  يتقابل مع المذهب الرومانسي بداية من الفلسفة التي نما في إطارها، ومروراً بالمفهوم الشعري الذي تشکل في أحضان کل مذهب منهما، فإذا کان الشعر – حسب الرومانسية - تعبيراً عن المشاعر أو العواطف، فإنه – حسب  التحديد الواقعي – تمثيل موضوعي للواقع، وفي ذلک يقول رينيه  ويلک لقد صاغت هذه الکتابات - يقصد کتابات الواقعيين - مذهبا أدبيا محددا يرکز على أفکار بسيطة تقول إن على الفن أن يصور العالم الحقيقي تصويرا أميناً, لذلک فإنه يجب أن يدرس الحياة المعاصرة عن طريق الملاحظة الدقيقة، التحليل المتأني وعلى الفنان أن يفعل ذلک دون انفعال، أي بدون حشر الذات أي بموضوعية.
وقد رأينا صدى لهذا المذهب الواقعي في شعرنا العربي الحديث استجابة  لسياق حضاري معين، فقد انتهت الحرب العالمية الثانية، وقد تمخضت – بالنسبة للعالم العربي – عن ثورات عديدة اجتماعية وثقافية وسياسية وعسکرية، أدت الى وعي أکثر بقضية الفن والفنان، والى انغماس أشد من الفنان في واقع   مجتمعه ([1]).
 إن ذلک التقابل الحاد بين المفهومين الرومانسي والواقعي، يمکن أن نجد  له صدى واضحاً في تکوين ثنائية أخرى، کان لها وجود وبريق، في فترة سابقة  وهي ثنائية الذات والموضوع، وهي ثنائية أصبحت في الوقت الراهن ليس لها ما يبررها، وخاصة بعد اکتشافات باختين الحديثة ويقينه أن " الأنا" ليست خالصة  أو محددة تحديدا تاما، بل تحتوي في تکوينها الأساسي على جزئيات من الآخر وقد أجلناالحديث عنها، لأن صلاح عبدالصبور يحمل عليها حملة قاسية، وخاصة في جزئية توهم التفريق بين الذاتي والموضوعي.
وقد أشار الدکتور عياد الى ارتباط هذه الثنائية بالفلسفات المادية المعاصرة  وذلک حين يقول ونستطيع أن نعيد هذه الثنائية الى أصل واحد: وهو ثنائية الأنا والآخر، أو الذات والعالم، وهي الثنائية التي تکمن وراء المدارس الفکرية  المعاصرة على اختلافها: من الليبرالية الحديثة الى الوجودية الى المارکسية، إنها ثنائية تنطوي في جميع صورها على نوع من الحوار مع الواقع.
 والجزئية الأخيرة من کلام الدکتور شکرى عياد ربما تشير الى حالة من الجدل بين الذات والموضوع والى نوع من الحوار يستحيل من خلاله الفصل بين الذات والموضوع والشاعر في ذلک الإطار لا يقدم وعياً خالصا بجزئيات الواقع المحيط الذي يمثل الموضوع، ومن خلال هذا الوعي يقدم أو يخلق واقعيا جمالياً.
 
 
 

الكلمات الرئيسية