مطاعن الشعوبية على العرب والرد عليها من خلال النثر في العصر العباسي

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

کلية البنات الإسلامية بأسيوط

المستخلص

فإن الشعوبية ردة فکرية، ونعرة عصبية، أحيتها مظالم بني أمية، إذ إنها آثرت أبناء العربية، وحطت من شأن الشعوب الأجنبية، فکان ذلک داعيًا إلى إحياء القوميات، في محاولة إلى اقتناص وسلب ما في يد الآخر من خيرات.
وقد کان للقومية الفارسية الدور الأکبر في نشأة الشعوبية إذ إنهم قبل الإسلام کانوا أصحاب کيان مسيطر على نصف الکرة الأرضية، وکان يخضع لملکهم ما يقرب من نصف الناطقين بالعربية، فلما جاء الإسلام أدال دولتهم، وسفه معتقدهم، فکانت الخلافة غير الراشدة فرصتهم في العودة إلى إحياء ملکهم وعودة دولتهم.
ولا شک أن للقومية الفارسية من الطقوس الدينية والعادات الاجتماعية والسياسية، ما يختلف اختلافًا جذريًا مع البيئة العربية، غير أن من صح إسلامه کان خيرًا وبرکة على الدنيا والدين، ومن اتخذ التقية مذهبًا فأظهر الولاء، وأضمر العداء، فهؤلاء هم الشعوبيون الذين ينتظرون الفرصة السانحة، والراية اللائحة.
وبقيام الدولة العباسية عاد لغير العرب کثير من التقدير والاعتبار، وشغلوا وظائف قيادية هامة، وشعروا بالفخر والتمکين، وأن الحضارة لهم، والبداوة لغيرهم، وهکذا سعوا إلى سحب البساط. وقد فطن لهم أوائل وعظماء خلفاء بني العباس من أمثال الرشيد، والمأمون ونکلوا بهم، غير أن ذلک لم يرد الباقين عن غيهم، بل أنهم صاروا يولون الخلفاء ويعزلونهم، وهکذا کثرت الادعاءات والاتهامات والمطاعن جهة کل ما هو عربي.
وکان الأدب بنوعيه الشعر والنثر هو ميدان الصراع وحلبة اللقاء. وکما کان للشعوبية أدباؤها الذين توفروا للنيل من العرب، فقد کان للعرب ومن صح إسلامه من الموالي أدباء يردون تکذيب المکذبين، ودحض حجج المبطلين، بل ونالوا منهم أضعاف ما نالوا، إذ الملک الناسخ أقوى من الملک المنسوخ، وإلا کيف سطعت شمس الحضارة العربية والإسلامية على أرجاء الکرة الأرضية.
وفي سياق ما ذکر يتبين أن دوافع هذا الموضوع کالتالي:
أولاً ــ ظهور الشعوبية من جديد في عصرنا الحاضر، وازدياد النفوذ الفارسي (إيران) في العراق، واليمن وغيرهما من الدول العربية وإذکاء نار الخلاف المذهبي والسياسي في معظم أرجاء الدول العربية، بالتعاون مع الدول الاستعمارية، واستغلال معدومي الخبرة السياسية والدينية من التيارات الشبابية المدعية أنها إسلامية، وناتج کل ذلک للواقع العربي إنما هو زلزلة أرکان ملکهم، والتهام أرجاء وطنهم.
ثانيًا ــ الشعوبية قديمًا کان لها خطرها وهو إزالة ملک العرب وهيمنتهم وهي الآن أشد خطورة مما کان؛ لأن قادة الشعوبيين في زمن الدولة العباسية إنما کانوا يکتسبون نفوذهم من حظوظ خلفاء بني العباس، فقد کانت الإمبراطورية العربية هي الحاکمة للعالم، أما الآن ففي أيدي العرب اليسير وفي أيدي غيرهم الکثير.
ثالثًا ــ الشعوبية تبين حرکة التاريـخ وسننه )وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ(([1])، فمعرفة التيارات المعادية، وأسباب نشأتها ومراحل نموها، وأرجاء أهدافها إنما هو وعي للتاريخ وحرکته، وقد قالوا في ذلک:





ليس برجل ولا عالم


 


من لم يع التاريخ في صدره




ومن وعى أخبار ما قد مضى


 


أضاف أعمارًا إلى عمره





رابعًا ــ الوقوف على المطاعن التي أرادت الشعوبية أن تنال بها من العرب، وتفنيدها وتکذيبها بردود شافية کافية تکيل الصاع صاعين، وتنسب الشين والرين إلى أين، وتَحْدوا بالنسب والشرف والمروءة والفضيلة إلى عين مدارجها وسبل مراداتها وغاياتها.
خامسًا ــ الرد على من زعم أن الشعر وحده هو الميدان الذي دارت عليه رحى حرب الشعوبية، بل النثر أيضًا کان ميدانها الفسيح، وهو صاحب اليد الطولى في تلک الحرب، وقد أوردت في هذا الموضوع من النصوص النثرية القدر الکافي للرد على هذا الزعم، فقد سار النثر مع الشعر جنبًا إلى جنب في معترک هذه الحرب واشتعال أوارها، وإخماد نارها.
سادسًا ــ کثرة وتنوع ألوان المعرفة من خلال کثرة المطاعن والرد عليها، فقد شملت البلاغة وقوة الفصاحة والأدوات المساعدة في ذلک وأساليب القتال وما يلزمها من أدوات، والحضارة والثقافة، کما شملت الکرم ومجده والبلاء فيه، ومعاملة المرأة والنظرة إليها، والأنساب وما يلزمها من رفق وأنفة وحمية، والشعر الذي ليس للعرب علم أصح منه، وأنه مستودع الشعور والحکمة وإرادة إدخال الخلل والخطل في کل ذلک، وما کان من رد وبيان وإتقان هنالک.
 

الكلمات الرئيسية