نقض الغرض، وأثره فى الدرس النحوي

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

جامعة الأزهر

المستخلص

فمما لا شک فيه أن النحويين ما کانوا يتصرفون فى اللغة وفقاً لأهوائهم ، بل کان يحکمهم فى ذلک استقراء طريقة العرب فى کلامهم ، هذا السهيلى – رحمه الله – يقول : " فلم نقل ما قلناه إلا اقتضاباً من أصول السلف ، واستنباطاً من کلام اللغة ، وبناءً على قواعدها ، وجرياً على طريقة علمائها "(1) ، ومن ثم فإننا حين نقرأ فى ( النحو ) ما يجوز من الأوضاع اللغوية وما لا يجوز ، ندرک أن النحويين ما کانوا يجوّزون إلا ما کان مرتبطاً بطرائق اللغة فى الإبانة عن المعانى، وطرائق متکلميها فى الإبانة عن أغراضهم ومقاصدهم(2) ، فـ " قد أرادها أصحابنا وعنَوها ، وإن لم يکونوا جاءوا بها مقدَّمة محروسة ، فإنهم لها أرادوا ، وإياها نوَوْا "(3) .
وفى إشارة قوية إلى أهمية احتذاء هذه الأغراض ، وضرورة المحافظة عليها ، ومنع کل ما يؤدى لنقضها ، نراهم يجعلون من ( نقض الغرض ) علة لمنع أى إجراء يؤدى إلى إجحاف بالمعنى أو إخلال به ، ولبيان الوجه الذى منع أى حکم نحوي يخرج عن القواعد العامة ، والقوانين الکلية لکلام العرب .
ومن ههنا تأتى أهمية هذا البحث ( نقض الغرض ، وأثره فى الدرس النحوي)حيث اتخذ النحويون ( نقض الغرض ) أساساً لاستقامة المعنى وتأديته صحيحاً ، إذ إن مراعاته تسهم بشکل واضح فى الإبانة عن المعانى وتجليتها ، کما يؤکد على ما قلناه سَلَفاً أن النحويين بنوا تصوّراتهم للقواعد بعد استقراء ما نطقت به العرب فى ضوء المحافظة على الغرض ، ومنع ما يؤدى لنقضه ، يصدرون فى ذلک عن کراهية الوقوع فيه، توخياً لحصول الفائدة التى يؤمّها المتکلم من السامع، وتحقيقاً للأغراض التى يحصل بها الفهم والإفهام .
کما تأتى أهميته – أيضاً – من کونه يعدّ تصحيحاً أو تقويماً للسان بإبعاد الخطأ عنه، وحفظه من اللحن الذى قد يعتريه على مستوى الترکيب النحوى ، ليکمل بذلک الجانب الآخر من عملية تقويم اللسان ، وهو التصحيح اللغوى على مستوى الألفاظ المفردة .
علي أنه تجدر الإشارة إلى أن بعض الباحثين قد سبقني إلى دراسة ذات صلة مباشرة بموضوع هذا البحث ، وهي ( من صور الامتناع من نقض الغرض عند العرب وأسراره النحوية والصرفية ) ([1]) إذ تعرض فيها لبعض من مسائل نقض الغرض ، قسّمها إلى فصلين ، أفرد الأول منهما للمسائل النحوية التي صنفها في تسعة مباحث ، والثاني منهما أفرده للمسائل الصرفية ، وقد جعلها في أربعة مباحث.
ويلاحظ في هذه الدراسة غياب التحليل النحوي ، والاکتفاء بجمع المسائل التي تشکل هذه الظاهرة ، مع إيراد أقوال نحوية ليست ذات صلة مباشرة
 بـ ( نقض الغرض ) مما أدى إلى انحرافها عن مسارها ، وتضخمها بما لا جدوَى من ورائه.

        ثم إنه قد غاب عنها الرؤية الشاملة ، والقدرة العلمية على دراسة هذا المصطلح داخل أنساقه الفکرية ، وتحليل القيمة المنهجية والنظرية للمحافظة على الغرض من الانتقاض ، وبيان أنماطه وضوابطه وعلائقه بغيره من المصطلحات ، مع إبراز مراحل تطوره ، وبيان أثره وتداعياته على البناء الفکري للدرس النحوي .
ولعل ذلک راجع إلى أنه لم تکن غاية الباحث الوقوف على کل ذلک ، بقدر ماکانت غايته جمع قدر من المسائل وتصنيفها ، وإن کانت من القلة بحيث لم تتجاوز ثلاث عشرة مسألة .
ولهذا کله سعيتُ إلى تتبع مواطن ( نقض الغرض ) فى الدرس النحوى ، واستقصائها على الرغم مما يداخلها من عناء ومشقة ، حيث إن مواطنه مبثوثة فى بطون الکتب ، وفى مواقع شتّى .
وقد اقتضت طبيعة هذا البحث أن يکون منهجه ( استقصائياً تحليلياً ) قائماً على تتبع مواطن ( نقض الغرض ) فى نصوص النحويين ، ومناقشتها على نحو يُظهر مدى مراعاته فى تحليلهم الظواهر اللغوية ، وأثرَه الفاعل فى صياغة قواعدهم وتراکيبهم .
ولهذه المنهجية تمّ تقسيم البحث إلي بابين ، يضم کل منهما فصلين ، تسبقهما مقدمة وتمهيد ، وتتلوهما خاتمة ، وثبت بمصادره ومراجعه ، ثم فهرست لموضوعاته على النحو التالى :
المقدمة : ضمنتها الحديث عن أهمية البحث ، ودواعى اختياره موضوعاً للدراسة، والمنهج الذى انطلق منه ، وصدر عنه ، والخطة التى انتظمته .
التمهيد : وعنوانه ( تأصيل الأغراض والمقاصد فى الدرس النحوى ) .
وقد تم هذا من خلال الحديث عن نقطتين :
- مفهوم الأغراض والمقاصد .
- علاقة العلل النحوية بأغراض العرب ومقاصدهم .
الباب الأول : وعنوانه ( توصيف المصطلح : الملامح ، والسمات ، والآثار ) وقد قُسِّم هذا الباب إلى فصلين :
- الفصل الأول : ( مصطلح نقض الغرض بين الدلالة والاستعمال ) وجاء فى أربعة مباحث :
المبحث الأول : خصصته لدراسة ( نقض الغرض ) فى اللغة والاصطلاح ، وتوصلتُ فيه إلى حد اصطلاحى لـ ( نقض الغرض ) وبيّنتُ فيه مضامين هذا الحد ومفاهيمه .
المبحث الثانى : أنماط نقض الغرض ، عرضتُ فيه لأنماط النقض ، التى تم استقراؤها من خلال تتبع مواطنه فى أبواب النحو العربى .
المبحث الثالث : ضوابط نقض الغرض، ذکرتُ فيه مجموعة من الضوابط المحددة  والقوانين العامة التى اعتمدها النحويون فى تحليلهم لظواهر (نقض الغرض).
المبحث الرابع : أثر (نقض الغرض) فى الدرس النحوى، وفيه أشرت إلى تأکيد النحويين على ضرورة عدم (نقض غرض المتکلم) وأنهم اتخذوه معياراً للحکم على التراکيب بالجواز أو المنع ، مما يدل على دقة تصورهم للظواهر اللغوية ، وارتباطها بمتکلميها .
- الفصل الثانى:(نقض الغرض والمصطلحات النحوية)وقد جاء فى ثلاثة مباحث:
المبحث الأول : علاقة ( النقض ) بمصطلحى ( الاستقامة ) و ( الإحالة ) .
المبحث الثانى : تطور مصطلح ( نقض الغرض ) لدى النحاة المتأخرين .
المبحث الثالث : نقض الغرض وعلاقته بمصطلح ( الفائدة ) .
المبحث الرابع : نقض الغرض وعلاقته بمصطلح ( أمن اللبس ) .
الباب الثانى : وعنوانه ( مواطن نقض الغرض فى الدرس النحوى ) وقد قُسِّم هو الآخر إلى فصلين :
- الفصل الأول : ( مواطن نقض الغرض على مستوى الأسماء ) وقد جعلته فى مباحث ، تناولت المرفوعات ، والمنصوبات ، والمجرورات ، والتوابع .
- الفصل الثانى : ( مواطن نقض الغرض على المستويات الأخرى ) وقد جعلته – أيضاً – فى ثلاثة مباحث :
المبحث الأول : مواطن نقض الغرض على مستوى الأفعال ( عوامل ، ونواسخ ).
المبحث الثانى : مواطن نقض الغرض على مستوى الأساليب .
المبحث الثالث : مواطن نقض الغرض على مستوى تصريف الأسماء .
الخاتمة : وقد اشتملت على أهم النتائج التى انتهى إليها البحث .
ثبت مصادر البحث ومراجعه: وهى متعددة ومتنوعة، إذ شملت کتباً نحوية، ولغوية،وبلاغية، وأدبية، قديمة وحديثة، وغير ذلک مما هو مذکور فى موضعه.
وأخيراً .. ذُيِّل البحث بفهرست لموضوعاته التى ناقشها، والتى عالجها على نحو يقرب من الإفصاح عن الغاية التى سعى إلى تحصيلها.
وبعد .. فإنى أرجو الله – العلى القدير – أن أکون قد وُفِّقتُ فى دراسة هذا الموضوع من خلال تلک النقاط التى ارتکز عليها البحث .
والله من وراء القصد ، وهو حسبى ونعم الوکيل
 

الكلمات الرئيسية