النبي﴿ صلى الله عليه وسلم ﴾ في مقالات من "وحي القلم" للرافعي مقاربة روائية في بناء الشخصية تحليل ونقد

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

کلية البنات الإسلامية بأسيوط جامعة الأزهر

المستخلص

     "إذا قيل ما الأدب؟، فاعلم أنه لابد معه من البيان؛ لأن النفس تَخْلُق فتصوِّر فتُحسن الصورة، وإنما يکون تمام الترکيب في معرضه وجمال صورته ودقة لمحاته، بل ينزل البيان من المعنى الذي يلبسه منزلة النضج من الثمرة الحلوة، إذا کانت الثمرة وحدها قبل النضج شيئا مسمى أو متميزا بنفسه، فلن تکون بغير النضج شيئا تاما ولا صحيحا ، وما بُدٌّ من أن تستوفي کمال عمرها الأخضر الذي هو بيانها وبلاغتها....([1])" .
     "أما الغرض الأول من الأدب المبين أن يخلق للنفس دنيا المعاني الملائمة لتلک النزعة الثابتة فيها ... وأن يلقي الأسرار في الأمور المکشوفة بما يتخيل فيها، ويرد القليل من الحياة کثيرا وافيا بما يضاعف من معانيه ، ويترک الماضي منها ثابتا قارًّا بما يخلِّد من وصفه ، ويجعل المؤلم منها لَذًّا خفيفا بما يبث فيه من العاطفة ، والمملول ممتعا حلوا بما يکشف فيه من الجمال والحکمة...([2])".
     "وأشواق النفس هي مادة الأدب ؛ فليس يکون أدبا إلا إذا وضع المعني في الحياة التي ليس لها معني ، إذ کان متصلا بسر هذه الحياة ، فيکشف عنه أو يومئ إليه من قريب ، أو غير للنفس هذه الحياة تغييرا يجيء طباقا لغرضها وأشواقها ... ينقله الأدب من حياته التي لا تختلف إلى حياة أخري فيها شعورها ولذَّتها، حياة کملت فيها أشواق النفس ؛ لأن فيها اللذات والآلام بغير ضرورات ولا تکاليف...([3])".
    " .. في عمل الأديب تخرج الحقيقة مضافا إليها الفن، ويجيء التعبير مزيدا فيه الجمال، وتتمثل الطبيعة الجامدة خارجة من نفس حية، ويظهر الکلام وفيه رقة حياة القلب وحرارتها وشعورها وانتظامها ودَقِّها الموسيقي؛ وتلبس الشهوات الإنسانية شکلها المهذب لتکون بسبب من تقرير المثل الأعلى، الذي هو السر في ثورة الخالد من الإنسان على الفاني، والذي هو الغاية الأخيرة من الأدب والفن معًا؛ وبهذا يهب لک الأدب تلک القوة الغامضة التي تتسع بک حتى تشعر بالدنيا وأحداثها مارة من خلال نفسک، وتحس الأشياء کأنها انتقلت إلى ذاتک من ذواتها...([4])" .
      بهذه السيمفونيات (المقاطع النثر شعرية) ـ إن جاز التعبير ـ يعزف الرافعي على قيثارته أهازيج الجمال، تطفر بآيات الحسن والإلهام وأمارات العبقرية، في تشکيل رؤيته عن الأدب ووظيفته في الحياة، في الوقت الذي وظفه کثير من معاصريه لإثارة النعرات، وتصدير الحماقات، والعزف على الغرائز والشهوات، بل وسَلَّه بعضهم سيفا؛ لبتر ما يصل الأمة بتراثها ولغتها ودينها، وهدم حصون أصالتها، وإراقة دماء عراقتها علي مذبح الهکيل الذي تعبَّدُوه؛ التجديد والتحديث!!.
     کان الرافعي مختلفا بين أدباء عصره ومفکريه ، فذهب يتحرک في إطار رؤية تسعى لأن يکون الأدب الجديد الذي يدعونه " حقيقة مسکونة بالهم العربي والألوان العربية، وبالصراع الذائب من أجل إيجاد الکائن العربي، والعصر العربي([5])".. من ثم، راح يحفز العرب إلي إحياء ماضيهم، وصيانة تراثهم، والاعتداد بذواتهم، والانعتاق من الانسحاق تحت بريق التقدم، أو السقوط في الانهزامية، أمام الأنموذج الوافد، مع الاستفادة من معطياته الحضارية، والتناسل معها بالقدر الذي لا يهدر خصوصيتنا وقدراتنا ، ومعطياتنا الحضارية والإنسانية، التي ليس لغير الأدب أن يجليها في إبداعه الأصيل، "إذ الأدب يشبه الدين: کلاهما يعين الإنسانية على الاستمرار في عملها، وکلاهما قريب من قريب،...([6])" .
       بهذه الرؤية الحضارية يحاول الرافعي أن يشرع بابا للإبداع الأدبي صوب الجمال والحسن بمفهومهما الشامل العام، الذي يدفعنا نحو التعلق بهذه الطاقات الإبداعية، التي تفرزها تجارب الأدباء المخلصين لحرفة الأدب، ولتصور إنساني أصيل، يحدب على فرادة الإنسان الحضاري، المتفاعل مع المجتمع، والمتماس مع همومه وقضاياه، والمشتبک مع آلامه وآماله ، يفرز من تجاربه ، وخبراته ، وثقافته، ورؤيته ، ويطرح من  خياله ما يحيل کل ذلک إبداعا متفردا ، ومتحرکا نحو البناء والإمتاع ، ومتحررا من کل ما يعيق انطلاقته الکبرى نحو الآفاق التي تتصل فيها وعبرها الأرض بالسماء . فالأدب کما يقول الرافعي : خالق الجمال في الذهن، والمُمَکِّن للأسباب المعينة على إدراکه ، وتبين صفاته ومعانيه ، وهو الذي يقدر لهذا العالم قيمته الإنسانية ، بإضافة الصور الجميلة إليه ، ومحاولته إظهار النظام المجهول في متناقضات النفس البشرية ، والارتفاع بهذه النفس عن الواقع المنحط المجتمع من غشاوة الفطرة ، وصولة الغريزة ، وغرارة الطبع الحيواني...([7]) " .
     کل هذه القيم الإنسانية والجمالية التي يسعى الرافعي إلى أن يفرزها عبر خلايا الجمال التي تفرزها مَلِکَاته / مَلَکَاته الإبداعية ، جعلتني منذ وقت مبکر أرنو إلى أدب الرافعي لکني کنت متهيبا أن تطأ قدمي تلک البکارة البيانية والغضارة الأدبية ، على النحو الذي کنت عهدته مع غيره من الأدباء !! ، لکنى تجاسرت ، ودبجت مقالا مطولا عن ريادته للأدب الإسلامي ، في مطلع الدعوة إلى تشکيل رؤية إبداعية جديدة للأدب ، تتخذ من الإسلام تصورًا أو رؤية ، تشکل تجاربه الإبداعية، أرسلت به إلى إحدى المجلات السيارة([8]) ـ وقتئذ ... وفوجئت بنشره!! مما أثلج صدري ، وأمدني بثقة کنت أفتقدها قبل تلک المفاجأة !، مما حمَّلني مسئولية نحو هذا الأديب وأدبه ، وجدت دَيْنًا عليَّ أن أوديه متى ما سنحت الفرصة ، وواتت الظروف ... فکان التفکير في هذه الدراسة ...


 

الكلمات الرئيسية