بلاغة الخطاب النبوي وأثرها في تحقيق التوافق النفسي والاجتماعي

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

کلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالقاهرة

المستخلص

لما کان الناس يحتاجون إلى التواصل بينهم فکان لابد من لغة وخطاب يتواصلون به؛ للتعبير عن احتياجاتهم ومتطلباتهم، وکان لزاماً أن تکون هذه اللغة التواصلية لغة راقية، سهلة عذبة مؤثرة، تسعى لتهذيب الخلق والارتقاء به، مما يحقق ذلک التوافق النفسي للفرد ورضاه عن نفسه، وبالتالي يکون هناک توافق اجتماعي من خلال تعامل الأفراد بعضهم مع بعض وحب العمل، وفتح باب الأمل والرجاء .
ولقد أدرک علماء البلاغة منذ القدم مدى خطر الإفحاش في اللفظ على اللغة العربية مع سرعة انتشارها بين الناس، يقول الجاحظ: " اعلموا أن المعنى الحقير الدنيء الساقط، يعشش في القلب ثم يبيض ثم يفرخ، فإذا ضرب بجرانه ومکن لعروقه استفحل الفساد وبزل، وتمکن الجهل وقرّح، فعند ذلک يقوى داؤه، ويمتنع دواؤه؛ لأن اللفظ الهجين الرديء المستکره الغبي أعلق باللسان، وآلف للسمع، وأشد التحاماً بالقلب من اللفظ النبيه، والمعنى الکريم ...؛ لأن الفساد أسرع إلى الناس، وأشد التحاماً بالطبائع، والإنسان بالتعلم والتکلف " ([1]) .
والخطاب النبوي من أرقى أنواع الخطاب البشري ، وفيه إشارات بيانية ذات أهمية بالغة في تحقيق التوافق النفسي والاجتماعي لمتلقيه، وقد استخدم النبي(r) فيه أساليب متنوعة ترقى بالسلوک واللغة ، وهذا بدوره يؤدي إلى رقي الخطاب اليومي للمسلم، وتهذيب أساليبه، وتأتي أهمية هذه الدراسة وشرفها من کونها بحثاً في المصدر الثاني للتشريع ؛ فشرف الدراسة يأتي من شرف المتناول، ولا يوجد أحلى وأبهى من خطابه (r) بعد الخطاب القرآني؛ لأن الحديث النبوي هو الأصل الثاني للغة العربية بعد - القرآن الکريم -؛ لما تميز به من جودة اللغة ، ودقة استخدام الأساليب في موضعها مع تحقيق جميع الغايات، " فکان (r) لا يشق عليه منزع، ولا يعتريه ما يعتري البلغاء في وجوه الخطاب، وفنون الأقاويل من التخاذل، وتراجع الطبع، وتفاوت ما بين العبارة والعبارة، .. والعلو في موضع والنزول في موضع ..، وکأنما وضع يده على قلب اللغة ينبض تحت أصابعه " ([2]) .
کما نستطيع التسليم بأهمية الحديث النبوي في کونه " فضاء تواصلي بوصفه حجة نبرهن بها على قضايا کثيرة تصادفنا في حياتنا اليومية المتمثلة في لغته للوصول إلى أهدافه في تبليغ الرسالة .. وما يتفرع عن قواعد الخطاب، وبين الحديث النبوي وأبعاده التواصلية : کيف يتکلم، مع من يتکلم، ماذا يريد أن يقول"([3]).
وکل هذا تطلب من الرسول (r) أن " يبذل قصارى جهده للتأثير في المخاطب لغرس العقيدة والمعارف والقيم الممدوحة؛ ولتغيير العقيدة والأفکار والممارسات المذمومة، وهذا يتطلب منه معرفة المدعو وليتعامل معه بالقدر الذي يناسبه وتقتضيه حاله " ([4]) .
وقد أتى ذلک بثماره المرجوة من تحقيق التوافق النفسي للفرد؛ لأنه قام بتلبية حاجاته الروحية والجسدية، مما جعله يفعل الشيء وهو راضٍ عن نفسه، کما حققت له التوافق الاجتماعي؛ لأنها أثرت عليه في سلوکه وتعامله مع الناس على مبدأ الحب والتواد، وتعامل الأفراد مع بعضهم بدون سخرية.
ولذلک کله جاءت دراستي بعنوان: " بلاغة الخطاب النبوي وأثرها في تحقيق التوافق النفسي والاجتماعي " وکان من أسباب دراسة هذا الموضوع أسباب منها:
1-  انتشار اللغة العامية والسوقية المبتذلة في خطاباتنا اليومية، وتدني الأخلاق، وشدة الإغراب عن الهوية العربية مع تقليد الغرب في طغيان الماديات على الروحانيات .
2-  المفارقة بين سلوکيات الأفراد والتمايز بين من يتمسک بالقيم الأخلاقية، والتأثر بالخطاب النبوي عن غيره ممن لا يتمسک بذلک .
3-     قلة الدراسات المتناولة لأدب الخطاب النبوي، وأثره على التوافق النفسي والاجتماعي .
4-  کان النبي (r) في أحاديثه وخطابه يراعي الفروق الفردية، فکان يخاطب کلاً بما يلائم حالته سواء النفسية أو الاجتماعية أو العمرية أو السلوکية، بما يحقق ذلک القبول والرضا في نفوس متلقيه وقارئيه في کل زمان ومکان .
5-  اتخاذ خطاب الرسول (r) في أحاديثه أسلوباً تعليمياً، وأداة لتواصل المجتمع مع أفراده، لقدرته على تقويم الأخطاء، والرقي بالأخلاق الإسلامية السمحة، مما يؤدي بهذا إلى العيش في جو آمن، خالي من الجريمة والرذيلة، مع تنمية روح الاعتزاز بالدفاع عن الوطن .
وقد اقتضت طبيعة الدراسة أن تأتي في مقدمة وتمهيد وثلاثة مباحث ثم خاتمة، ثم ذکر لأهم المصادر والمراجع، وفهرس الموضوعات .
أما المقدمة : فبينت فيها أهمية الموضوع، وأسباب اختياره وخطته ومنهج دراسته.
وأما التمهيد: فجاء بعنوان: الخطاب النبوي أساليبه البيانية وقيمه الاجتماعية .
وسوف يتضمن التمهيد ما يلي:
أولاً : الخطاب النبوي المفهوم والدلالة .
ثانياً: أثر الأسلوب البياني النبوي في تحقيق بعض القيم الاجتماعية .
المبحث الأول: أساليب الترغيب والترهيب وأثرها في تحقيقه التوافق النفسي والاجتماعي .
المبحث الثاني: أسلوب العرض والتحضيض وأثره في تحقيق التوافق النفسي والاجتماعي .
المبحث الثالث: أسلوب الحوار وأثره في تحقيق التوافق النفسي والاجتماعي .
الخاتمة : ذکرت فيها ملخص البحث وأهم نتائجه.
واقتضت طبيعة هذه الدراسة منهجاً خاصاً فهي تعتمد على المنهج الانتقائي التحليلي الذي اعتمد على الآتي:
1- اختيار بعض الأحاديث النبوية القولية فقط دون التطرق إلى أفعاله (r) أو إقراره لکثرة ذلک وسعته .
2- اعتمدت على اختيار مجموعة ونماذج حديثية مما نحن بحاجة ماسة إليها الآن في حياتنا اليومية، والتي وُجِدَ فيها الحل الأمثل لما نعانيه من مشکلات سواء اقتصادية أو اجتماعية أو نفسية أو سلوکية وأخلاقية .
3- اعتمدت في تخريج الأحاديث المختارة على الکتب الستة .
4- قمت ببيان الوسائل التعبيرية المتنوعة التي استخدمها الرسول (r) في خطابه الحديثي، ومدى فاعلية تلک الوسائل وتمکنها، وتأثيرها على تحقيق التوافق النفسي والاجتماعي .
5- ربطت بين بلاغة خطاب النبي (r) وما استنتجه علماء النفس في العصر الحديث، ومدى فاعليته وأثره الإيجابي في وسائل التربية الحديثة .
 
 
وما توفيقي إلا بالله عليه توکلت وإليه أنيب
 

الكلمات الرئيسية