فتح الرحمن في شرح حديث الطهور شطر الإيمان

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

قسم الحديث الشريف في کلية أصول الدين والدعوة بأسيوط

المستخلص

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلي آله وصحبه ومن تبعه إلى يوم الدين.
" أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ کِتَابُ اللَّهِ ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ،
وَإِنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا ، وَکُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ
" ([1]).
 " مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهُّ فِي الدِّينِ " ([2]).
فاللهم فقهنا في الدين وعلمنا التأويل يا أکرم الأکرمين و يارب العالمين .
من المعلوم أن الطهارة من فرائض الإسلام ,وعلامة من علامات الإيمان لذا أمر الله تعالى عباده المؤمنين بالتحلي به والمداومة عليه لينالوا حب الله تعالى لهم , والطهارة تارة تکون حسية أي الطهارة من الأقذار والنجاسات والحدث , وتارة تکون معنوية أي الطهارة من الذنوب والمعاصي .
والمراد بالطهارة هنا الطهارة الحسية أي طهارة البدن من الحدث, وطهارة البدن والثوب من النجس, وهذا ما يجب على المسلم إزالته ورفع الحدث والنجس عن بدنه وثوبه, بل جعل الله تعالى ذلک شرطا لإقامة الصلاة .
قال الله تعالى آمرا عباده بالطهارة والتطهر: (يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَأَيْدِيَکُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِکُمْ وَأَرْجُلَکُمْ إِلَى الْکَعْبَيْنِ وَإِنْ کُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ کُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْکُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِکُمْ وَأَيْدِيکُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْکُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَکِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَکُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْکُمْ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ) ([3]).
قال الإمام ابن کثير عند تفسيره لهذه الآية:" قال کثيرون من السلف: قوله: { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ } معناه وأنتم مُحْدِثون .
وقال آخرون : إذا قمتم من النوم إلى الصلاة، وکلاهما قريب.
وقال آخرون : بل المعنى أعم من ذلک، فالآية آمرة بالوضوء عند القيام إلى الصلاة، ولکن هو في حق المحدث على سبيل الإيجاب، وفي حق المتطهر على سبيل الندب والاستحباب. وقد قيل: إن الأمر بالوضوء لکل صلاة کان واجبا في ابتداء الإسلام، ثم نسخ" ([4]) .
وعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : دَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَلَى ابْنِ عَامِرٍ يَعُودُهُ وَهُوَ مَرِيضٌ فَقَالَ: أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لِي يَا ابْنَ عُمَرَ. قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:"لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ, وَلَا صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ([5])"([6]).
قال الإمام النووي في شرحه: "قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَقْبَل اللَّه صَلَاة بِغَيْرِ طَهُور ، وَلَا صَدَقَة مِنْ غُلُول )
هَذَا الْحَدِيث نَصّ فِي وُجُوب الطَّهَارَة لِلصَّلَاةِ ، وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَى أَنَّ الطَّهَارَة شَرْط فِي صِحَّة الصَّلَاة ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : وَاخْتَلَفُوا مَتَى فُرِضَتْ الطَّهَارَة لِلصَّلَاةِ ، فَذَهَبَ اِبْن الْجَهْم([7]) إِلَى أَنَّ الْوُضُوء فِي أَوَّل الْإِسْلَام کَانَ سُنَّة
ثُمَّ نَزَلَ فَرْضُهُ فِي آيَة التَّيَمُّم ، قَالَ الْجُمْهُور : بَلْ کَانَ قَبْل ذَلِکَ فَرْضًا ، قَالَ : وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْوُضُوء فَرْضٌ عَلَى کُلّ قَائِم إِلَى الصَّلَاة أَمْ عَلَى الْمُحْدِث خَاصَّة ؟ فَذَهَبَ ذَاهِبُونَ مِنْ السَّلَف إِلَى أَنَّ الْوُضُوء لِکُلِّ صَلَاة فَرْض بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى:
{ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة } الْآيَة ، قال أبو الوليد الباجي: أبو بکر مشهور في أئمة الحديث ، وألف کتبا جليلة على مذهب مالک ,توفي سنة تسع وعشرين وثلاث مئة، وقيل: سنة ثلاث وثلاثين . راجع : جمهرة تراجم الفقهاء المالکية حرف الميم 2/1011ت977 دار البحوث وإحياء التراث دبي.

 
وَذَهَبَ قَوْم إِلَى أَنَّ ذَلِکَ قَدْ کَانَ ثُمَّ نُسِخَ ، وَقِيلَ : الْأَمْر بِهِ لِکُلِّ صَلَاة
عَلَى النَّدْب ، وَقِيلَ : بَلْ لَمْ يُشْرَع إِلَّا لِمَنْ أَحْدَث . وَلَکِنْ تَجْدِيده لِکُلِّ صَلَاة
مُسْتَحَبّ ، وَعَلَى هَذَا أَجْمَع أَهْل الْفَتْوَى بَعْد ذَلِکَ ، وَلَمْ يَبْقَ بَيْنهمْ فِيهِ خِلَاف ، وَمَعْنَى الْآيَة عِنْدهمْ إِذَا کُنْتُمْ مُحْدِثِينَ . هَذَا کَلَام الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى . وَاخْتَلَفَ أَصْحَابنَا فِي الْمُوجِب لِلْوُضُوءِ عَلَى ثَلَاثَة أَوْجُه أَحَدهَا: أَنَّهُ يَجِبُ بِالْحَدَثِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا ، وَالثَّانِي: لَا يَجِب إِلَّا عِنْد الْقِيَام إِلَى الصَّلَاة ، وَالثَّالِث : يَجِب بِالْأَمْرَيْنِ وَهُوَ الرَّاجِح عِنْد أَصْحَابنَا ،وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَى تَحْرِيم الصَّلَاة بِغَيْرِ طَهَارَة مِنْ مَاء أَوْ تُرَاب, وَلَا فَرْق بَيْن الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة وَالنَّافِلَة وَسُجُود التِّلَاوَة وَالشُّکْر وَصَلَاة الْجِنَازَة "
([8]).
 
قال الحافظ ابن حجر:"والمراد بالقبول هنا ما يرادف الصحة وهو الإجزاء, وحقيقة القبول ثمرة وقوع الطاعة مجزئة رافعة لما في الذمة ولما کان الإتيان بشروطها مظنة الإجزاء الذي القبول ثمرته عبر عنه بالقبول مجازا"([9]).
ولما کانت الطهارة شرط في صحة الصلاة ,وشعبة من شعب الإيمان , والصلاة والصدقة رکنان من أرکان الإسلام ,والحمد والتسبيح مما يطيب به اللسان , والصبر وتلاوة القرآن تزکو به النفس ويطهر به اللسان , قمت بعمل بحث علمي اشرح فيه هذا الحديث النبوي ,المشتمل على بعض أرکان الإسلام  وخصال الإيمان , وسميته ب" فتح الرحمن في شرح حديث "الطهور شطر الإيمان..." مستعينا فيه بالله عز وجل , ومستفيدا بشروح السابقين الأولين من علماء الإسلام .أصحاب المصنفات الفريدة والشروح الهامة المفيدة. الذين کانوا لمن بعدهم بمثابة النجوم في السماء . واهتدى بهم کل من صار في هذا الطريق. ونال من علمهم کل من أشتغل في هذا الفن, فجازاهم الله عنا خير الجزاء وأحسن لهم المثوبة والعطاء.
 ومن أجل امتداد رحلة العلماء في هذا الفن, وتواصل رکب الخلف برکب السلف قمت بشرح هذا الحديث الشريف وبذلت فيه قصارى جهدي, تشبها بالعلماء , عسى الله أن يحشرني معهم في الدرجات العلى والنعيم المقيم, کما أخبر بذلک المولى عز وجل فقال تبارک أسمه:(يَرْفَعِ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنکُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات) ([10]) .           
والله أسأل أن يثيبني علي هذا العمل, ويعفوا عن ما وقع فيه من الزلل, ويعينني على إتمامه, ويجعل فيه القبول.
اللهم أمين يا نعم المولى و نعم المعين.


 

الكلمات الرئيسية