الصفات الإلهية عند الظاهرية بين الإثبات والتأويل

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

مدرس العقيدة والفلسفة في کلية الدراسات الإسلامية للبنين بأسوان

المستخلص

          فلقد اهتمت فرقة الظاهرية اهتماماً بالغاً بمسائل الفقه أصوله وفروعه، مما اکسبها شهرة وبروزاً فى هذا المجال، وعُدَ المذهب الظاهرى – بکل ما فيه من اعتدال أو غلو – أحد المذاهب الفقهية المعتمدة لدى أهل السنة والجماعة، ولا يقل موقف الظاهرية تجاه " المسائل الأصولية " أهمية عن موقفهم بصدد المسائل الفرعية، غير أن الباحث المهتم بدراسة الفرق الإسلامية يدرک لأول وهلة أن المصادر التي تناولت مواقف الظاهرية تجاه الفروع أکثر من تلک التي تعرضت لمواقفهم حول مسائل الأصول، ولذا فإن هذا البحث الذى بين أيدينا يأتي محاولة إضافة فى هذا المجال، ورغبة فى بيان موقف الظاهرية من أهم مشکلة کلامية على الإطلاق ألا وهى مشکلة الصفات الإلهية، وذلک فى إطار مبدئهم العام والمعلن وهو " الإثبات " ، وموقفهم المستتر وهو " التأويل "، وسنحاول فى هذا البحث أن نوضح مدى إنسجام النزعة الظاهرية العامة " الإثبات " وموقفهممنمسألة الصفات الإلهية، فهل الظاهرية التزمت بظاهريتها وعملت على تطبيقهاحرفياً فى فهم مسألة الصفات کما هو الحال فى الفروع؟ لو کان الأمر کذلک لکانت من المجسمة وهذا لم يقل به أحد ولم نر لها رائياً بين أصحاب التجسيم، وحتى لا يشار إليها بأصابع الإتهام بالتجسيم لجأت – أحياناً – إلى القول بالتأويل، ومعنى هذا أن الإثبات لم يکن الطريق الوحيد فى فهم مسألة الصفات عند الظاهرية، وهنا سؤال يطرح نفسه،هل يتمشى القول بالتأويل – ولو کان جزئياً – مع مبدأ عام وغالب " الإثبات " الذي يتعارض مع التأويل شکلاً ومضموناً ؟ وما مدى التقاء هذين المبدئين المتناقضين، مبدأ الظاهرية العام " الإثبات " ومبدأ التأويل ؟ هذا ما سنحاول معرفته من خلال ثنايا البحث إن شاء الله تعالى، والذى أسميته ( الصفات الإلهية عند الظاهرية بين الإثبات والتأويل ).   
 
* سبب اختيارى للموضوع:
 
أولاً : على الرغم من اکتساب فرقة الظاهرية أهمية کبرى فى مجال الفقه أصولاً وفروعاً، إلا أن مصادر الفرق الإسلامية لم تهتم بإبراز رأيها فى مسائل العقيدة فاردت أن أسهم فى عرض هذا الجانب عند الظاهرية وفى أدق مسائله وهى مسألة الصفات الإلهية، والتى دار حولها النزاع بين الفرق الإسلامية نفياً وإثباتاً وتأويلاً، فکل يرى الصواب معه وأن الخطأ ما ذهب إليه غيره، فأحببت أن أستجلى الحقيقة وأصل إلى نتيجة قوية فى هذه المسألة "مجال تخصصى ". 
ثانياً :وعند إطلاعى على کتب أهل العلم وجدت کلاماً لابن تيمية فى شرح العقيدة الأصفهانية يقول فيه: " فمن عرف .... مذهب ابن حزم وأمثاله من الظاهرية فى باب الصفات تبين له أن هؤلاء الظاهرية الباطنية أقرب إلى المعتزلة بل إلى الفلاسفة، وإن إمامهم داود وأکابر أصحابه کانوا من المثبتين للصفاتعلى مذهب أهل السنة والحديث، ولکن من أصحابه طائفة سلکت مسلکالمعتزلة ووافقوهم فى مسائل الصفات"(1).
وکذلک وجدت کلاماً لابن کثير ( 774هـ ) يقول فيه عن ابن حزم – رأس الظاهرية والناطق بلسانها – : " والعجب کل العجب أن ابن حزم کان ظاهرياً فى الفروع، ولا يقول بشيء من القياس، وکان مع هذا من أشد الناس تأويلاً فى باب الأصول وآيات الصفات وأحاديث الصفات"(2).   
    فأوجد ذلک عندي رغبة فى أن أکشف اللثام عن مذهب الظاهرية – من خلال أقوال ابن حزم التي تمثل المذهب الظاهري تمثيلاً حياً – فى کل ما يتعلق بمسألة الصفات.
ثالثاً: من يطلع على فکر ابن حزم وسيرته يجده مناظراً مجادلاً منذ طلبه العلم، يرفض التقليد والتقيد بمذهب معين، وقد أصبح لمنهجه فى أيامنا هذه أنصار يؤيدونه ويدافعون عنه بشتى الوسائل ويدعون إليه بکل قوة وحماس، فرأيت من الحاجة بيان موقفه فى هذا الجانب الهام، ليرى الباحث إن کان موافقاً لمذهب أهل السنة والجماعة أو مخالفاً له. 
* منهجي فى البحث
    لقد اعتمدت فى طريقة عرضي لموضوع البحث على ما يلى:-
أولاً: المنهج الاستقرائي التحليلي، حيث قمت بعرض أقوال مذهب الظاهرية – من خلال ابن حزم – فى صورة ميسرة موجزة ، مع ذکر أدلتهم التى اعتمدوا عليها فى کل صفة بمفردها، وقد اعتمدت فى بيان مذهبهم على مؤلفات ابن حزم، مثل کتابه " الفصل فى الملل والأهواء والنحل " الذى قام فيه بعرض آراء المذاهب المختلفة ونقدها، فعملت على استخلاص رأى الظاهرية من خلال مناقشاته وردوده على الفرق الإسلامية، وکذلک اعتمدت على کتابه " المحلى" الذى ذکر فيه مذهبه بصراحة، وأيضا على کتابه " الأصول والفروع" حيث وجدت فيه بعض المباحث التى تتعلق بموضوع البحث.
     وبعد أن أقوم بعرض رأى الظاهرية، فإن تبيّن ليّ أنه موافق لما عليه جمهور المتکلمين من أهل السنة والجماعة ذکرت ما يؤيده من الأدلة العلمية التى أرى أنها ضرورية لإثبات صحته والأخذ به دون سواه، وإن کان مخالفاً لما عليه الجمهور ذکرت من قال بهذا القول من غيرهم، ثم بينت الراجح، وقمت بالرد على الشبه التى منعت أصحاب الظاهر من القول بمذهب الجمهور.
ثانياً : قمت بعزو الآيات القرآنية إلى مواضعها من السور.
ثالثاً: قمت بتخريج الأحاديث النبوية الشريفة التى ذکرت فى ثنايا البحث من   مصادرها الأصلية.
رابعاً: بينت فى الهامش بعض الألفاظ الغامضة مستعيناً ببعض معاجم اللغة وغيرها.
خامساً: رتبت المراجع الواردة فى هذا البحث على حروف المعجم.
سادساً: حرصت أن يکون أسلوب البحث أسلوباً علمياً سهلاً ورغبت فيه قواعد اللغة العربية.    
 
 
 
* خطة البحث:
لقد قسمت هذا البحث إلى مقدمة وتمهيد وستة مباحث وخاتمة.
- المقدمة وتشتمل ما يلى:
1- تصور عام لمنهج الظاهرية فى مسألة الصفات الإلهية .
2- الأسباب التى دفعتنى للکتابة فى هذا الموضوع .
3- منهجى فى البحث .
4- خطة البحث  .
التمهيد : نبذة موجزة عن معنى الصفة وأقسامها
المبحث الأول : نشأة الظاهرية وأشهر رجالها
المبحث الثاني : الإثبات لدى الظاهرية
المبحث الثالث : الظاهرية وإطلاق لفظ الصفة أو الصفات على الله تعالى
المبحث الرابع : الصفات المثبتة لدى الظاهرية، ويتضمن تسعة مطالب:
المطلب الأول: الحياة
المطلب الثانى: العلم
المطلب الثالث: القدرة
المطلب الرابع: الإرادة
المطلب الخامس: الکلام
المطلب السادس: النفس والذات
المطلب السابع: العزة والکبرياء
المطلب الثامن: الوجه والعين والأعين
المطلب التاسع: الاستواء
 
المبحث الخامس: التأويل لدى الظاهرية
المبحث السادس: الصفات المؤولة لدى الظاهرية ويتضمن أربعة مطالب:
المطلب الأول: السمع والبصر
المطلب الثانى: اليد والأصابع
المطلب الثالث: الساق والرجل والقدم
المطلب الرابع: النزول والمجئ واالإتيان
الخاتمة: تحدثت فيها عن أهم النتائج التى توصلت إليها من خلال البحث، ثم الفهارس المتعلقة بالبحث.
 

الكلمات الرئيسية