وقفات تربوية وتشريعية مـــن غزوتي حنين والطائف

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

مدرس الحديث وعلومه بکلية الدراسات الإسلامية والعربية جامعة الأزهر - فرع دسوق

المستخلص

    فإن الله تعالى وعد هذه الأمة بالنصر والتمکين والاستخلاف في الأرض، قال الله تعالى: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْکُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ کَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَکِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِکُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ کَفَرَ بَعْدَ ذَلِکَ فَأُولَئِکَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾([1])
    ومهما تکالب أعداء الإسلام ، وأجمعوا أمرهم ؛ لإطفاء نور الله تعالى فلن يکون لهم ذلک ، کيف؟ وقد قال الله تعالى: ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ کَرِهَ الْکَافِرُونَ ! هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ کُلِّهِ وَلَوْ کَرِهَ الْمُشْرِکُونَ ﴾ ([2])
    غير أن النصر الذي وعدت به هذه الأمة لن يتحقق إلا لمن قام بأعباء النصر؛ فإذا وجدت أسباب النصر وانتفت موانعه تحقق بإذن الله تعالى ، وإن تخلف منها شيء فربما تخلف النصر، والله غالب على أمره.
     وإن الواجب على المسلم في أيامنا هذه أن يتأمل في غزواته r؛ ليتعرف على أسباب النصر وعوامل الهزيمة , ويتعلم الدروس والعبر التي تملأ قلوب الأمة ثقة بنصر الله تعالى.
    من هذه الغزوات المبارکات غزوة « حنين » وما يليها من غزو الطائف ؛ تلک الغزوة التي تبين فيها أن القوة من عند الله تعالى , وأنه هو الذي ينصر ويغلب ، کما أن فيها الدرس العظيم في صدق التوکل على الله تعالى والإيمان بموعوده ونصره .      
    وإذا کانت غزوة بدر الکبرى هي أولى معارک الإسلام مع مشرکي العرب، وبـها کُسرَت حدتـهم وقلت هيبتهم ، فقد کانت غزوة حنين وما تلاها من غزو أهل الطائف هي آخر تلک المعارک ، وبـها استُفرِغت قوى أولئک المشرکين، واستُنفِدت سهامهم، وأُذل جمعهم حتى لم يجدوا بداً من الدخول في دين الله ، کما أفاد ابن القيم.([3])
   وإذا کانت وقعة بدر قررت للمسلمين أن القلة لا تضرهم شيئًا في جنب کثرة أعدائهم إذا کانوا صابرين متقين، فإن غزوة حنين قد قررت للمسلمين أن الکثرة أيضًا لا تفيدهم إذا لم يکونوا صابرين ومتقين. ([4])
لهذا وغيره ؛ أردت بتوفيق الله تعالى أن أتناول هذه الغزوة وما يليها من غزو الطائف بالدراسة والتحليل ؛ لأستخرج أهم الدروس والفوائد التي نحتذيها في حياتنا المعاصرة ؛ حتى يکتب لنا النصر والتمکين بإذن الله تعالى .
]أسباب اختيار الموضوع[
يمکن إجمال أسباب اختيار هذا الموضوع  في الآتي:
1 – ضرورة مشارکتي في الکتابة في علم السيرة النبوية ؛ کجانب أصيل في تخصص الحديث الشريف وعلومه .
2 – ما تشتمل عليه هذه الغزوة من فوائد تربوية ، وأحکام تشريعية ، ينبل معرفتها ، ويحسن الإلمام بها .
]منهـج البحـث والدراســـة[
يمکن تلخيص منهج البحث والدراسة فيما يلي :
- تتبعت روايات الغزوتين من کتب الصحاح ، والسنن ، والمسانيد ، والمعاجم ، وکتب السيرة المعتمدة.
- استخرجت من وقائع الغزوتين الوقفات التشريعية والتربوية والعسکرية ، من خلال کتب التفسير ، والفقه ، وشروح الحديث ، والکتب المؤلفة في دراسة السيرة النبوية دراسة تحليلية.
- قمت بتخريج الأحاديث تخريجًا تفصيليًا . فإذا کان الحديث في الصحيحين فإني أخرجه منهما مع بقية الکتب التسعة ، إلا إذا کانت هناک فائدة في غير الکتب التسعة فإني أزيد في تخريجه ، أما إذا کان الحديث في غير الصحيحين فإني أتوسع في التخريج بعض الشيء؛ حتى أتمکن من الحکم على الحديث .
- إذا کان الحديث في الصحيحين اکتفيت بهما في الحکم عليه ، فإن العزو  إليهما مؤذن بالصحة، وإذا کان في غيرهما فإني أعتمد على أقوال الثقات من أهل الشأن في الحکم عليه إن وجدت، أمثال الترمذي، والحاکم، والهيثمي ، مع جمع  طرق الحديث ، والترجمة  لرواة هذه الطرق ، ثم الحکم علي الحديث  بما يليق بحاله من حيث الصحة والحسن والضعف حسب القواعد التي وضعها أهل العلم .
- اقتصرت في البحث على الأحاديث الصحيحة والحسنة والضعيفة التي ترتقي ، ولا أعرج على الأحاديث المنکرة والموضوعة ؛ إذ لا فائدة منها.
- اعتمدت على کتب الشروح – القديم منها والحديث – ؛ للاستعانة بها على توضيح ، أو إضافة ، أو ذکر فائدة ، أو غير ذلک .
- قمت بالترجمة لبعض أهل العلم الذين ليس لهم کبير معرفة، مشيراً إلى مصدر الترجمة لمن أراد التوسع في معرفة سيرهم وحياتهم .
]خطـــــة البحــــث[
يشتمل هذا البحث على مقدمة ، وتمهيد ، وستة مباحث ، وخاتمة .
المقدمة :تشتمل على سبب اختيار الموضوع ، وخطة البحث.
وأما التمهيد :فيحتوي على :
1- تعريف الغزوة ، والسرية ، والبعث .
2- بيان فضل المغازي وتعليمها .
المبحث الأول : تاريخ الغزوة ، وموقعها ، وسببها ، وملخص أحداثها.
المبحث الثاني :وقفات تربوية من غزوتي حنين والطائف.
المبحث الثالث :وقفات تشريعية من غزوتي حنين والطائف.
المبحث الرابع :وقفات تربوية من تقسيم الغنائم في حنين.
 المبحث الخامس :وقفات عسکرية من غزوتي حنين والطائف.
المبحث السادس :وقفات متنوعة من غزوتي حنين والطائف.
وأما الخاتمة :فتحتوي على أهم الدروس والفوائد من غزوتي حنين والطائف.



([1]) الآية من سورة النور ، رقم 55


([2]) الآية من سورة التوبة ، رقم 32 - 33


([3]) زاد المعاد في هدي خير العباد (3/ 420)


([4]) فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة ، البوطي ، (ص: 289)

الكلمات الرئيسية