المرجعيات التراثية وسؤال الهوية في الخطاب الشعري لابن فرکون

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

أستاذ الأدب والنقد المساعد کلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات بالإسکندرية

المستخلص

فليس أدعى للشجى والأسى في التاريخ الإسلامي من ذکر الأندلس، وليس أدعى للحزن والألم من تذکر قرطبة وبلنسية وطليطلة، وليس أدعى لجلد الذات الجمعية من ذکر غرناطة. ثمانية قرون من الألق الروحي والفکري والثقافي انطفأ بريقها وخمد نورها. حضارة زاهرة لم يتبق من معالمها سوى نقوش وزخرفات ونمنمات على السقوف والجدران.. برز من بينها شعار حکام غرناطة "ولا غالب إلا الله".
وقد عاش ابن فرکون في القرن الأخير من عمر تلک الحضارة، واستمع إلى صرخات أسلافه المدوية، أسفا على تصدع البنيان الذي أوشک أن يُسوَّى بالأرض، وقبل أن تصير الأرض يبابا ظلت غرناطة بارقة الأمل الساطعة في سماء الأندلس، مما عمق إدراک شاعرنا بالأزمة الوجودية المسيطرة على إيقاع الحياة في عصره؛ فغدا سؤال الهوية ملحا، وراح شاعرنا يبحث عن ذاته ضمن فضائل الخطاب المرجعي بمستوياته المختلفة، فارتکس إلى التراث ارتکاسة فيها من قلق الهوية ما فيها. وبدت تلک المرجعية التراثية وکأنها صورة من صور مقاومة استلاب الهوية ومحوها بفعل عدو غاشم يجعل من طمس تلک الهوية العربية الإسلامية دعامة رئيسة لاستقرار دولته، وبدا شعر ابن فرکون وکأنه تنويع على إيقاع أشعار المشارقة أمثال أبي تمام والمتنبي وأبي العلاء وغيرهم، بما في شعرهم من منابع الثقافة الدينية والتاريخية والفنية.
ومن هنا کانت فکرة البحث الذي اخترت له عنوان: " المرجعيات التراثية وسؤال الهوية في الخطاب الشعري لابن فرکون". وينهض البحثعلىمقاربةنقديةتهدفإلى تسليط الضوء على الخطاب الشعري لابن فرکون في سياق ما سبقه من مرتکزات الهوية العربية الإسلامية، ومنطلقاتها الثقافية وعلى رأسها الخطاب الديني المتمثل في منابع الثقافة الدينية (القرآنالکريم،والحديثالشريف، وقصص الأنبياء، والسيرةالنبوية)، ثم الخطاب التاريخي، والخطاب الفني. ولا أدعي الإحاطة بکافة المرجعيات التي تبدت في شعر ابن فرکون؛ لأن بعضها مرتبط بتجربته الشعورية الخاصة النابعة من إحساسه بالعالم ودرجة تفاعله مع مفردات الحياة من حوله.
ونظرا لما تقتضيه طبيعة الدراسة، فقد رأيت أن أقسم بحثي إلى فصلين، يشتمل کل منهما على ثلاثة مباحث، وتسبقهما مقدمة، وتعقبهما خاتمة، وثبت للمراجع، وفهرس للموضوعات.
الفصل الأول بعنوان: "رؤى ومفاهيم نقدية"، حيث يلقي الضوء على ما يتعلق بموضوع الدراسة من مفاهيم نقدية، فجاء في ثلاثة مباحث، المبحث الأول بعنوان: "إشکالية المصطلح بين التناص واستدعاء التراث"، وذلک دفعا للخلط بينهما، حيث بنيت فکرة الدراسة على تعلق الشاعر بأهداب تراثه عن وعي وسعي حثيث لاسترفاده، مما يتنافى مع فکرة التناص القائمة على النص الغائب وفکرة اللاوعي.
وجاء المبحث الثاني بعنوان: "ابن فرکون والخطاب الشعري"، حيث عني المبحث بالتعريف بابن فرکون، وذلک من خلال شعره لعدم وجود ترجمات خاصة به، وذلک أثر من آثار محاولة طمس معالم الحضارة العربية الإسلامية في ذلک الوقت، کما ميز المبحـث بين النص والخطاب الشعري، حيث إن الدراسة تبحث في إبداع ابن فرکون بوصفه خطابا شعريا متکاملا يعبر عن قضية الهوية، لا بوصفه نصوصا أدبية منفصلة.
أما المبحث الثالث فجاء بعنوان: " تجاذب الهوية بين الذاتي والقومي"، وذلک للوقوف على معالم الهوية الماثلة في شعر ابن فرکون، وما هو أندلسي الصبغة، وما هو إسلامي عربي، مع ميل للطابع المشرقي للهوية العربية الإسلامية؛ حيث يزداد الجنوح إلى ذلک الطابع في حالات الحروب والأزمات.  
    وأتي الفصل الثاني من الدراسة بعنوان: "أنماط المرجعيات التراثية في الخطاب الشعري لابن فرکون"، وتضمن الفصل ثلاثة مباحث، خصص المبحث الأول للمرجعيات الدينية (القرآنالکريم،والحديثالشريف، وقصص الأنبياء، والسيرةالنبوية)، والمبحث الثاني للمرجعيات التاريخية بما فيها من السير الشعبية، وقصص البطولة، وأيام العرب، وحتى الأساطير المؤثرة في المخيلة العربية. بينما تناول المبحث الثالث المرجعيات الفنية على تنوعها من صور شعرية، وأمثال عربية، وطرائق فنية، ومقدمة القصيدة، وخاتمتها. 
تلک کانت إشارات ومفاتيح نحاول أن نستعين بها على الولوج إلى العالم الشعري لابن فرکون، فإن أکن قد وفقت في بيان ذلک فمن الله، وإن کانت الأخرى فمن نفسي، أعوذ بک يارب ... أن يکون أحد أسعد بما علمتني مني، وأعوذ بک أن أقول قولاً فيه رضاک ألتمس به أحداً سواک، وأعوذ بک من فتنة القول، کما أعوذ بک من فتنة العمل، وأعوذ بک أن أتکلف ما لا أحسن، کما أعوذ بک من العجب فيما أحسن. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الكلمات الرئيسية