بنية الشخصيات وجدلية العلاقة بين الواقعي والمُتَخَيَّل في رواية (صدأ التيجان) لعفيفة سعودي

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

مدرس الأدب والنقد فى کلية البنات الإسلامية بأسيوط

المستخلص

 
تقديم :
     الحمد لله الذي أمر بالعدل ؛ فجعله ميزاناً لإقامة ملکه ، ونهى عن البغي في الأرض ؛ فأخذ المعتدين بقدرته ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد r ، أعدل أهل الأرض ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد
      فقد بزغ نجم المرأة العربية في سماء الرواية ؛ فأضاء جوانب مظلمة ،      لم يستطع أحد من الکتاب الروائيين إضاءتها ، أو الکشف عنها ، بمثل تلک الحساسية ، التي توفرت للمرأة المبدعة ، خاصة في تلک المنطقة ، التي تقع تحت سيطرتها وسلطانها .
    والکاتبات الروائيات في الوطن العربي استخدمن مستويات متنوعة في مجال الکتابة الروائية ، من حيث اللغة والموضوع ، فمن حيث اللغة ، فقد اتسمت بالرقة والجاذبية الأنثوية ، في تراکيبها ، وصورها ، وإيقاعاتها ، ومن حيث الموضوع ، فقد تناولن المرأة العربية من جوانب عدة ، کان من أبرزها وأشجعها هذا الدور الذي قامت به الکاتبة (عفيفة سعودي)، في روايتها (صدأ التيجان).
    تحکي الرواية قصة ( أمير ) من الأمراء ، في الخمسين من عمره ، کان يشتري الأراضي من الفلاحين بالقوة ؛ لقربها من قصره ، وکان هناک مزارع يُسمَّى   ( حمدان ) تمسک بأرضه ؛ لأنها بالنسبة له تمثل الحياة والشرف ؛ لهذا فقد کانت نهايته القتل ، بأمر من ابن هذا الأمير ويُدعى (فؤاد)، الذي تحول إلى ملک ، بعد أن قتل عمه ، واغتصب منه السلطة . 
     وکان لهذا الملک زوجة ، هربت منه إلى ( أوربا ) ؛ بسبب علاقاته غير الشرعية مع النساء ، ثم تزوج من ( شاهيناز ) ، وأنجب منها ( نورهان ) ، ثم قتل هذه الزوجة ؛ بسبب خيانتها له مع رسَّام ، ثم تزوج من ملکة جمال المملکة (جلنار) ، وکانت في سن العشرين ، وکان هو في سن الخامسة والسبعين .
     أما ( حمدان ) فقد ترک ابنا يُسمَّى ( غيث ) ، في الخامسة من عمره ، ربته أمه ( أمينه ) ثم کبر وتزوج من ( زينب ) ، وأنجبت منه ولداً ، يُسمَّى (فاروق)، الذي حصل على درجة (الدکتوراه) في الفيزياء من جامعة (هارفارد) الأمريکية ، ونال جائزة ( نوبل ) العالمية .
 استدعاه الملک ( فؤاد ) ؛ لتکريمه ، ورأته ( نورهان ) ، فالتحقت بنفس الجامعة ، التي يعمل فيها ؛ هوساً به ، وبعد أن أوقعته في مصيدتها ، وزارته في شقته ، وکان أعزب ، فعلم الملک من التقارير الواردة إليه بهذه الزيارة ، فقرر أن يزوجها له ، ولم يکن له ابن يرث السلطة ، فأصدر تشريعا ملکيا يجيز لـ(فاروق) أن يکون ملکاً ، وساعده في اتخاذ القرار ( جلنار ) ، التي رأت (فاروق) هي الأخرى ، وعشقته .
   لم يکن ( فاروق ) يحلُم أن يصل إلى کرسي الحکم ، وإنما کان دائماً يتخيل کيف يٌحْدِث تصدعاً في ظهر هذا النظام الفاسد ؟ وکيف يثأر لجده ، وينتصر للشعب المظلوم ؟ وعندما تحول خياله إلى واقع اصطدم بأرکان النظام القديم ، الذي ظل يعمل تحت سيطرة الملک ( فؤاد ) . لم يستطع ( فاروق ) تحقيق أي رغبة من رغبات الشعب ، فاحتدم الصراع بينه وبين القصر، ثم تضامنت معه (جلنار ) ؛ لنيل المودة  والقربى منه ، فأدَّى ذلک إلى حدوث صراع بين أرکان النظام القديم نفسه ، وانتهى هذا الصراع بحدوث ثورة شعبية ، قضت على هذا النظام الفاسد ، وقدمته للمحاکمة .
الکاتبة من ( تونس ) بدأت کتابة الرواية في عام 2008م ، وبدايتها کانت مع ( هبني أجنحة ) ، التي حازت على جائزة ( کومار ) التقديرية، التي تمنح لأفضل الأعمال الروائية في تونس ، ثم کتبت روايتها الثانية ( صدأ التيجان ) ، وحازت على نفس الجائزة ، في 23 /  2 / 2011م ، ثم کتبت رواية ( غلالات بين أنامل غليظة ) ، وهي رواية تتناول العنف الرمزي ، الذي انتشر في تونس بعد الثورة .
     أما رواية ( صدأ التيجان ) فقد تناولتُها بالدراسة ؛ لأنها رواية جريئة ، نبتت فکرتها بعد العدوان الإسرائيلي الغاشم على ( غزَّة ) في 2009م ، ولم يستطع أحد من الحکام العرب وقف شلالات الدم التي أُرِيقَتْ ؛ لذا فقد جاء العنوان معبراً عن هذا العجز الواضح في ميزان القوى العربية .
     ومن أجمل ما يمتاز به هذا النص الروائي ، أنَّه استشراف وتوقع ، وسبق زمني ؛ لسرد أحداث ستقع ، أو متوقع حدوثها ، وقد تحققت بالفعل في ( تونس) ، وتبعتها بعض الدول العربية الأخرى ،
 وقد اعتمدت الکاتبة في مصادرها على الواقع السياسي ، وخيالها الخصب ، وإحساسها المرهف ، وشکلت من هذه العناصر ، تلک الرؤية الاستشرافية الإبداعية المتميزة .
     واخترت من الرواية ( بنية الشخصيات ) ؛ لأنها تمثل أبرز مکونات النَّص ، وتکشف بجلاء عن تلک القوى الکامنة وراء الأحداث ، التي جرت وتجري على أرض الواقع ، واخترت ثنائية الخيال والواقع ؛ لأنها أکثر ما تتميز به بنية الشخصيات في الرواية ؛ حيث تقوم على تشکيل عالمين يبدوان في الظاهر مترادفين ومتعاضدين ، يصعب على البعض الفصل بينهما ، ولکنهما في الحقيقة متباعدين ومتنافرين ؛ بحکم تلک العلاقة الجدلية القائمة بينهما ؛ لهذا فقد تناولت الموضوع من ثلاثة جوانب :
الأول مقدمة نظرية تحت عنوان: (الشخصية: الماهية ومقاربة المفهوم)، تناولت فيها الشخصية من ثلاثة محاور :
1- الشخصية وتشکيل النص .
2 الشخصية وإشکالية المفهوم .
3- الشخصية وإشکالية المصطلح .
الثاني الشخصيات وجدلية العلاقة بين الواقعي والمتخيل .
الثالث – صدأ التيجان : الرؤية والموقف .
      ثم تناولت في خاتمة البحث أبرز النتائج ، التي توصلت إليها ، وتم ذلک بشکل تأليفي ، بعيداً عن التکرار ، أو التلخيص ، ثم قائمة بأهم المصادر والمراجع ، الني اعتمدت عليها .
     أسأل الله العلي القدير أن يکون عملي هذا خالصاً لوجهه الکريم ، وهو من وراء القصد ، إنّه نعم المولى ونعم المصير .     

الكلمات الرئيسية