دلالاتُ تأخيرِ النداءِ في النظمِ القرآنيّ

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

مدرس البلاغة والنقد في کلية الدراسات الإسلامية والعربية بقنا

المستخلص

   فإن باب التقديم والتأخير من أعلام أبواب البلاغة ، وقد احتفل به البلاغيون تأصيلا وتحليلا ، وراقبوا بعناية بالغة ودقة فائقة حرکة الألفاظ وانتقالها من موضع إلى آخر، وأيقنوا أن حرکة الألفاظ في حقيقتها هي حرکة لمعاني الألفاظ. فهذا الباب بحق يمثل صورة المعاني في النفس ، وحرکتها في الضمير ، وعليه تقوم هندسة الجملة ، وتنسيق البناء ؛ فهو القاضي الذي لا ترد حکومته فيما يکون من الألفاظ أولا ، وما يرد ثانيا ، وما يبرز مؤخرا ، وما يقر حشوا .
    و"هو باب کثير الفوائد ، جم المحاسن ، واسع التصرف ، بعيد الغاية ، لا يزال يفتر لک عن بديعة ، ويفضي بک إلى لطيفة ، ولا تزال ترى شعرا يروقک مسمعه ، ويلطف لديک موقعه ، ثم تنظر فتجد سبب أن راقک ولطف عندک ، أن قدم فيه شيء ، وحول اللفظ عن مکان إلى مکان ."([1])
      ولقد عظم اهتمام البلاغيين بتقديم کلمة على أخرى ، فدرسوا تقديم المسند إليه على الخبر الفعلي، وتقديم المسند على المسند إليه ، وتقديم المفعول ... ، وغير ذلک مما تراه في کتب القوم وتصانيفهم .
    بيد أن هناک ضربا من التقديم والتأخير لم ينل حظا وافرا من الدرس البلاغي، مع أن النحاة والبلاغيين ألمحوا إليه ، وله شواهد وافرة في القرآن والحديث والشعر وأصناف البيان ، ألا وهو تأخير النداء عما تعلق به من ألوان الخطاب ، کتأخيره  عن الأمر کما في قوله تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ ([2])
وتأخيره عن الاستفهام کما في قوله تعالى : ﴿أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَاإِبْرَاهِيمُ([3])
إلى غير ذلک من ألوان الخطاب التي تأخر عنها النداء فإن حق النداء أن يتصدر الکلام لتنبيه المخاطب وإيقاظه قبل الخطاب . فإذا ما فارق النداء الصدارة فورد آخرا أو وسطا رأيته يصدع بمعان أخرى ، ويبوح بمکنونات جديدة .
   فکان هذا البحث الموسوم بـ( دلالات تأخير النداء في النظم القرآني ) خطوة على الطريق يحاول جاهدا الکشف عن بعض الأسرار البلاغية لهذا النمط من الأساليب في کتاب الله المجيد مصطنعا منهج النظم المؤسس على الاستقراء والتحليل والموازنة في ضوء علمي مشتبه النظم والمناسبة القرآنية ، وهذا يتأتى من الکشف عن طبيعة المنادى ، وطبيعة الجملة المتعلقة بالنداء المقدمة عليه ، وعلاقتها بما قبلها ، وأثر تأخير النداء على اللفظ والمعنى ، کل هذا وفق ما يظهر من کلام أهل العلم ، وتدبر خصائص التراکيب .
   وقد جاء هذا البحث في تمهيد وثلاثة فصول على النحو التالي:
التمهيد: النداء بين الصدارة والتأخير ، وقد عالجت فيه أحقية النداء في الصدارة ورصدت کلام النحاة والبلاغيين في هذا وإشاراتهم إلى هذا الضرب من الأساليب  وهو تأخير النداء .
الفصل الأول : دلالات تأخير النداء في مخاطبة أولي الألباب والأبصار.
الفصل الثاني : دلالات تأخير النداء في مخاطبة الأنبياء والملائکة عليهم السلام .
وفيه خمسة مباحث :
الأول : دلالات تأخير النداء في مخاطبة إبراهيم u .
الثاني : دلالات تأخير النداء في مخاطبة موسى u.
الثالث : دلالات تأخير النداء في مخاطبة نوح ولوط عليهما السلام.
الرابع : دلالات تأخير النداء في مخاطبة الملائکة عليهم السلام.
الخامس: دلالات تأخير النداء في مخاطبة آل داود u.
الفصل الثالث : دلالات تأخير النداء في مخاطبة أصناف الناس الأخرى .
وفيه ثلاثة مباحث:
الأول : دلالات تأخير النداء بالوصف العام( الناس وبني آدم والثقلين)
الثاني : دلالات تأخير النداء بالوصف الخاص(تأخير نداء المؤمنين ) ، (تأخير نداء المجرمين والجاهلين والضالين )
الثالث : دلالات تأخير نداء فرعون وهامان والسامري .
   وقد راعيت في ترتيب هذه الفصول الثلاثة تقديم الأنبياء لشرفهم وفضلهم ، وثنيت بأولي الألباب والأبصار ، وختمت بأصناف الناس مقدما المؤمنين على من سواهم .
الخاتمة : سجلت فيها أهم النتائج والتوصيات التي انتهى إليها هذا البحث .
   هذا وما کان من توفيق فمن الله وحده. والله أسأل أن يجعل هذا العمل صالحا، ولوجهه خالصا ، کما أسأله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يغفر به الذنب، ويستر به العيب، وأن يثقل به الميزان إنه ولي ذلک والقادر عليه.
 
                                        


 

الكلمات الرئيسية