قراءات رؤبة القرآنية بين الرفض والقبول

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

أستاذ أصول اللغة المساعد فى کلية اللغة العربية بالمنصورة

المستخلص

الحمد الذي أنزل القرآن تبياناً لکل شيء, وبشرى للمؤمنين, فقال جل شأنه: «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا کَبِيرًا » [الإسراء 9]
والصلاة والسلام على مَن نُزّل القرآن على قلبه ليکون للعالمين نذيرا , القائل في حديثه الصحيح:" يَا أُبَيُّ، إِنِّي أُقْرِئْتُ الْقُرْآنَ فَقِيلَ لِي: عَلَى حَرْفٍ، أَوْ حَرْفَيْنِ؟ فَقَالَ الْمَلَکُ الَّذِي مَعِي: قُلْ: عَلَى حَرْفَيْنِ، قُلْتُ: عَلَى حَرْفَيْنِ، فَقِيلَ لِي: عَلَى حَرْفَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةٍ؟ فَقَالَ الْمَلَکُ الَّذِي مَعِي: قُلْ: عَلَى ثَلَاثَةٍ، قُلْتُ: عَلَى ثَلَاثَةٍ، حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ "، ثُمَّ قَالَ:" لَيْسَ مِنْهَا إِلَّا شَافٍ کَافٍ، إِنْ قُلْتَ: سَمِيعًا عَلِيمًا عَزِيزًا حَکِيمًا، مَا لَمْ تَخْتِمْ آيَةَ عَذَابٍ بِرَحْمَةٍ، أَوْ آيَةَ رَحْمَةٍ بِعَذَابٍ ([1]) ".  وبعــد
فلا شک أن علوم القرآن الکريم لها شرف على سائر العلوم , وأجلّ علوم القرآن علم القراءات القرآنية , وما يلوذ بها من معرفة المتواتر منها وغير المتواتر , والصحيح منها والشاذ , وبيان عللها , وغير ذلک .
فتعلم القراءات القرآنية له من الفوائد الکثير , ولا يعود هذا الخير على المتعلم وحده بل على عموم المسلمين , وهاک شيئ منها :
أولاً: بيان فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفظ کتاب الله تعالى , فالمتعلم يقف من خلال تعلمه على مدى الجهد والمشقة في تعلم رواية أو روايتين , فکيف إذا علم أن هذه القراءات هي جزء من الأحرف السبعة التي تعلمها النبي صلى الله عليه وسلم وعلَّمها لأمته ؟ .
ثانياً: دليل صدق على نبوة النبيّ صلى الله عليه وسلم وأن القرآن کلام الله حقاً, فإنه صلى الله عليه وسلم رغم أميته لم يأت بحرف يناقض الآخر , أو يخالفه , وصدق الله إذ يقول: « ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ » [ النساء : 82] .
ثالثاً: تعدد القراءات القرآنية له ثمرة واضحة في علم الأحکام الشرعية, وبيان الحلال والحرام, وتحفيز العلماء على الاجتهاد ؛ لبيان مراد الله بغرض الوصول إلى رضاه .
رابعاً: إظهار الجانب البلاغي والإعجازي في لغة القرآن الکريم , ومَن يطالع کتب توجيه القراءات يقف على شيء من هذا الإعجاز , فهذا مما يطول فيه الکلام .
خامساً: التخفيف والتيسير على هذه الأمة , وهذا سمت الإسلام في کل فروعه وأحکامه , فإن للعرب لهجات ولغات , يعتزون بها وينتصرون لها , فکان نزول القرآن بقراءاته المتنوعة رأفة بهم , وتيسيراً لحفظه وتعلمه .
سادساً: ومن أجلّ منافع علم القراءات حفظ اللغة , فکثير من الظواهر اللهجية کالإمالة والتفخيم والترقيق والهمز والتخفيف والإشمام , وغير ذلک مرجعه الأول والأکثر صحة هو علم القراءات , وليس لمثل هذه الظواهر إسناد متواتر إلى قبائل العرب الأُوَل إلا من خلال هذا العلم ، فهو علم شريف , ينال قاصده من الشرف على قدر رسوخه به , وتجرد نيته في طلبه . والبحث في استشهادات العلماء على القراءة من کلام العرب - شعراً أو نثراً - , لمن الأهمية بمکان , وأراه يدخل تحت القاعدة الأصولية : ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .  وقد کُثر استشهاد العلماء بأقوال الشعراء والفصحاء من العرب , ما وقع منهم داخل عصور الاحتجاج الزمانية أو المکانية, ومن أشهر مَن استشهد العلماء بشعره وأقواله: الشاعر التميمي (رؤبة بن العجاج ت 145هـ - 763م ), فقد أسهم بأراجيزه في اللغة بحظ وافر, لفت الباحثين, ونبه عقول الدارسين , فکانت هذه الدراسة التي بعنوان:( اللغة في أراجيز رؤبة بن العجاج دراسة وصفية تطبيقية ), والتي قام بها , د/ عمر عبد المعطي أبو العينين, وأنت معي أن العنوان حمل عمل رؤبة الأصيل, وهو: الأراجيز, من حيث العرض, واستنباط القواعد والمعاني, والأصول والمباني, لبيان ما في الأراجيز من أهمية کبيرة, وعناية وفيرة من تلکم اللغة القديمة , التي أسست لأمة عظيمة , هي الأمة العربية , والعنوان لفت نظري إلى إثارة سؤال , هل کانت لرؤبة قراءات قرآنية لها نفس القدر وذات الأهمية ؟ فأجاب د/ عمر أبو العينين فذکرها تحت الفصل الثالث من الباب الخامس رؤبة لغويا وقارئا ، ولم يشرحها لأنها ليست في تخصص الموضوع الذي يتناوله . فکانت الإجابة : نعم, لرؤبة قراءات, وإن کانت ضئيلة بئيلة فهي مقدمة – لقدسيتها- على الأراجيز لما لها من دور کبير وعمل خطير في الاحتجاج والاستشهاد , وبفضل من الله ومنة قمت بدراستها موزعة على المستويات اللغوية ما أمکن لتتم مع الأراجيز عطاءاً تاماً , وبناءاً کاملاً يفيد منه القارئ الکريم ، فجاء البحث بعنوان [قراءات (رؤبة ) القرآنية بين الرفض والقبول] وذلک لبيان مقامها في الاحتجاج، وإيضاح مکانتها في الاستشهاد ، ومناقشة ما دار حولها من اعتراض لوضعها في نصابها ، وبيان کلمة الحق فيها .
- بسم الله أبدأ ، وعليه أتوکل ، وإياه أستعين .
 

الكلمات الرئيسية