المفارقة في شعر محمود الخفيف "دراسة فنية تحليلية"

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

أستاذ الأدب والنقد المساعد فى کلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بسوهاج

المستخلص

المفارقة ظاهرة فنية جديرة بالبحث والدراسة؛ حيث إن کثيرًا من الفنون والعلوم تتجاذب أطرافها؛ لأنها في حاجة ماسة إليها، فتحتاج إليها الفلسفة کما يحتاج إليها الأدب وعلم الاجتماع، بل وعلم النفس أيضًا؛ لأنها کثيرًا ما تکون داخل النفس الإنسانية مثلما تکون خارجها؛ لذا وجدنا اختلافات کثيرة حول تحديد التعريف نتيجة غموض المصطلح، مما دعا (دي سي ميويک) أن "يؤکد على وجود الظاهرة قبل إطلاق الاسم عليها، وبالتالي الکلمة وجدت وأطلقت على الظاهرة قبل المفهوم"([1]).
من هذا المنطلق وجدنا الدکتور "ناصر شبانة" يؤکد على ضرورة الفصل بين وجود المفارقة ووعي الإنسان بها، ويضرب لذلک مثالاً: "أن والدا قابيل وهابيل أدرکا بعمق المفارقة، حين طعن قابيل أخاه هابيل، لکنهما لم يعيا المصطلح، وکذلک المهلهل الذي قتل أخاه کليب وأنشد شعرًا"([2]). قصد من خلال هذا المثل وجود المفارقة في طيات هذه الأحداث، والإنسان غير واعٍ لذلک. من هنا يمکننا أن نؤيد الرأي الذي يؤکد على أن "المفارقة جزء من طبيعة الحياة کلها؛ لأن الحياة من حولنا مليئة بالخلل والتناقضات، والأقوال والأفعال والأحداث غير المبررة، بل إن هذا التناقض/ المفارقة کثيرًا ما يکون داخل النفس الإنسانية، وليس خارجها فحسب. وإذا کانت المفارقة جزءًا من الحياة والنفس، فإنهما – کذلک – جوهر في الأدب، فهي تعکس وظيفته النهائية التي تقوم على الصراع بين الذات والموضوع، الداخل والخارج، الوجود والعدم"([3]).
لذا أجد نفسي أقف موقف المعارض لمن يقول بأن صانع المفارقة "سقراط" أو غيره، فکان من الواجب على من يقول ذلک أن يؤکد لنا أنه يقصد بقوله هذا "اللفظ" وليس المفهوم؛ لأن مفهوم هذا المصطلح قديم قدم الإنسان، يقول أحد النقاد:- "إن المفارقة ظاهرة أساسية في الطبيعة الإنسانية، وتکاد تکون سلسلة المقابلات هي أبرز السلاسل التى تنظم الحياة، فلا کبر إلا وله صغر، ولا أول إلا وله آخر، ولا نوم إلا وله يقظة، والإيقاع الفطري عند المبدع هو الذي يقوده بالضرورة إلى ربط هذه الإدراکات بعالمه الشعري، ثم يقوده بالضرورة إلى لغة تحتويها ليحقق التوافق بين الصياغة والعالم دون أن يفقد في هذه العملية ذاتيته التي قد تمايز بين عناصر المفارقة فتزيد في هذه، وتنقص في تلک"([4]).
من هنا يتبين لنا أن المفارقة کامنة في الطبيعة الإنسانية، إلا أنها لا تظهر لنا إلا من خلال مبدع يقوم بربط الإدراکات فيما بينها وبين بعض.
لذا کان انطلاقي نحو القيام بعمل هذا البحث في المفارقة الشعرية عند شاعر لم يأخذ حقه، ولم ينل المکانة التي يستحقها مع أنه يُعدّ من الشعراء العظام في العصر الحديث، وفي جيل الستينيات بالذات، ألا وهو "محمود الخفيف"، فبالنظر إلى ديوانه نجد أن المفارقة عنده تعبّر عنه بعدٍ نفسيٍّ مؤلم ومؤثر، خاصة وأنه عاش في فترة کان على الأديب أن يعمل ألف حساب لکلمته التي قد لا توافق من بيدهم زمام الأمور، فلقد أزعج شعره الوطني کثيرًا ممن يعدونه هجومًا عليهم؛ لأنه نقد الکثيرين ممن عملوا على هدم الوطن واللعب بمقدراته، وسنتطرق لذلک عند الحديث عن الشاعر. فالمفارقة في شعره تحتاج إلى قارئ مميز وحصيف، قارئ متمهل متأنٍّ ليدرک ما فيه.
إن هذا الرجل جديرٌ بالدراسة والبحث؛ لأن شعره يحمل کثيرًا من المتناقضات، کما أنني رأيت من العيب والعار أن توضع أعماله في طيِّ النسيان.
ومع أن المفارقة تظهر جلية واضحة کل الوضوح في الأعمال المسرحية والقصصية، إلا أنني رأيت أن أدرس هذا المفهوم عند شاعر من الشعراء، وذلک لإيماني بأن "الشاعر جزء من عالمه الکبير، وشعره نوع من خلق العالم باللغة، واللغة في الشعر تجلٍّ "خاص" تنبني عليه رؤية "خاصة" للعالم والأشياء التي تعتبر المفارقة جزءًا أساسيًّا منها. ولذا تُعدُّ المفارقة تقنية من تقنيات ذلک الخلق الخاص باللغة، وتعتمد – بوصفها تقنية شعرية لغوية – على تشکيل يُفجِّر في اللغة الشعرية کوامنها؛ للتوصل إلى عمل إبداعي يواجه الضرورة في الواقع، ويوقظ الوعي في المتلقي، ويکشف عن زيف کثير من مسلمات هذا الواقع"([5]).
حقًّا لقد کان الشاعر "محمود الخفيف" جزءًا من عالمه الذي يعيش فيه، فقد عبَّر في شعره عن هموم وطنه، بل وهجم على کل أعدائه أيّاً کانت مناصبهم أو سلطاتهم، ولقد شاعت المفارقة في شعره بدرجة واضحة ظاهرة؛ نظرًا لما مرّ به من أحداث معاشة کانت أو ذهنية؛ لأنه عبّر عن أحداث عرفها من خلال اهتمامه بدراسة التاريخ، فالدارس لشعره يجد کثيرًا من المتناقضات التي تظهر فيها المفارقة المصورة تصويرًا بارعًا عظيمًا.
وقد جاءت الدراسة على النحو التالي: -
المقدمة : وتحدثت فيها عن أهمية المفارقة بالنسبة لمختلف العلوم والفنون، وعن غموض هذا المصطلح، کما تحدثت عن ضرورة الفصل بين وجود المفارقة ووعي الإنسان بها.
التوطئة : وضحت فيها وعي الإنسان بالمفارقة، وتحدثت عن هذا المصطلح، وعن الحقول المعرفية التي تغذي المفارقة، وتناولت بعض التعريفات التي تؤکد على أهمية المفارقة، کما تحدثت عن حياة شاعرنا ونشأته ومؤلفاته، وآراء بعض الأدباء فيه.
المبحث الأول : وتحدثت فيه عن تعريف المفارقة لغة واصطلاحًا.
المبحث الثاني : وجاء فيه، الرحلة التاريخية لمفهوم المفارقة وهي متعددة:-
المفارقة عند العرب (البلاغة العربية القدمية – المفارقة والفلسفة – عند الفلاسفة المحدثين – في النقد الحديث).
المبحث الثالث : وتناولت فيه الآتي : -
صاحب المفارقة أو صانع المفارقة – المفارقة والقارئ أو المتلقي – لغة المفارقة – أدوات المفارقة – عناصر المفارقة – وظيفة المفارقة – أهداف المفارقة – أنواع المفارقة – بواعث المفارقة عند الخفيف.
المبحث الرابع : وجاء فيه : أنواع المفارقات عند "محمود الخفيف"،
أولاً : المفارقة اللفظية ، ثانيًا : مفارقة التضاد ، ثالثًا : مفارقة السخرية - مفارقة الإنکار – مفارقة الموقف
المبحث الخامس: وفيه ما يأتي : -
المفارقة الرومانسية – المفارقة الدرامية – المفارقة التصويرية – المفارقة الزمانية – المفارقة المکانية – المفارقة الشخصية.
المبحث السادس : وعنوانه : المفارقة والقيم الفنية :
التشبيه – الاستعارة – الکناية – الطباق – الجناس – التکرار – الاقتباس.
الخاتمة : وتحدثت فيها بطريقة موجزة عن أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال هذا البحث.
الفهرس:
أ – فهرس المصادر والمراجع .
ب – فهرس المحتوى .
أرجو أن تحقق الدراسة هدفها المنشود ، وأن تکون خطوة على طريق البحث الجاد، تتبعها خطوات، وأرجو أن يکتب لها التوفيق والسداد.
وما توفيقي إلا بالله عليه توکلت وإليه أنيب
صدق الله العظيم
 

الكلمات الرئيسية