المفسرون في بلاد ما وراء النهر

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

أستاذ التفسير وعلوم القرآن المساعد کلية الدراسات الإسلامية بأسوان

المستخلص

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريک له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }([1])
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّکُمْ الَّذِي خَلَقَکُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً کَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ کَانَ عَلَيْکُمْ رَقِيباً }([2])
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَکُمْ أَعْمَالَکُمْ وَيَغْفِرْ لَکُمْ ذُنُوبَکُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً }([3])
فإِنَّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ کِتَابُ اللهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ - r -، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَکُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَکُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، وَکُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ.([4])
أما بعد:
فقد کنت أقرأ عن بلاد ما وراء النهر في کتب التراجم التي ذکرت لنا العديد ممن انتسب إلي هذه البلاد في علوم کثيرة، وفنون شتي، وکنت أتساءل في نفسي عن هذه البلاد البعيدة التي خرج منها جماعة من العلماء الکبار في علوم اللغة والشريعة وغيرها ،حتي صارت مفخرة لکل البلاد الإسلامية بعد أن تمم الله فتحها، أتساءل قائلاً: هل يمکن لأصحاب اللسان الأعجمي أن يتقنوا اللغة العربية وفنونها، ويبرزوا في العلوم الشرعية بل ويسابقوا العرب الخُلص وفي بعض الأحيان يسبقوهم؟ وأقول: کيف لهؤلاء الأعاجم أن يصنعوا تراثاً وتاريخاً وعلماً ومجداً لأمر ليس من لغتهم؟ ولکني أيقنت بوعد الله في کتابه حيث قال سبحانه وتعالي:{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ کُلِّهِ وَکَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (28) }([5]) فدين الله يؤيده الله بمن يحب، ويظهره بمن أراد، وينصره بمن يختار سبحانه وتعالي.
وقد مَنَّ اللَّهُ عليّ وکتب لي مجيئاً إلي بلاد ما وراء النهر(کازاخستان)([6])ولقيت مَن فيها مِن الطلاب، ورأيت فيهم طلباً للعلم ،وحباً له ،وشوقاً إليه ، وحرصاً علي إدراکه، بصورة لم ألمسها في کثير من الطلاب الذين ينطقون بلغة الضاد؛ ولعل  الشغف بعلم اللغة العربية عند من فقدها يُعوض ما فاته من عدم إتقانها في بداية طلبها ؛ بل وتجعله طالباً لعلمها حريصاً عليها.
وبعد نظر وبحث أردت أن أکتب تعريفاً موجزاً ببعض المفسرين الذين خرجوا من هذه البلاد في إطلالة سريعة تُظهر قدم صدق ، وسبق فضل ، لهؤلاء العلماء الذين سطروا للإسلام تاريخاً عظيماً ومجداً تليداً ، أبقي لبلدانهم وأسمائهم ذکراً عطراً وثناء حسناً.
 فاللهم اجزهم خير الجزاء علي ما قدموا من نفائس العلم وخزائنه، واجعل اللهم ديار الإسلام في کل مکان عامرة بالعلم والعلماء، مُنجِبة للفضلاء والعظماء.
وقد سميت هذا البحث (المفسرون في بلاد ما وراء النهر).
أسباب اختيار الموضوع:
1-   رغبة صادقة ومحاولة مخلصة في التعريف والتذکير بجماعة من مفسري بلاد ما وراء النهر؛ أسهموا بحظ وافر في العلوم الإسلامية لاسيما التراث التفسيري. والإشارة إلي مآثرهم ومناقبهم.
2-   وجدت جماعة من المفسرين لم يشتهروا رغم ما قدموه من تراث تفسيري بسبب عدم العثور علي کتبهم، أو تقصير الباحثين في نشر مخطوطاتهم.
3-   قلَّة المهتمين بالحديث عن المفسرين في بلاد ما وراء النهر بشکل منفصل، فأکثر ورود أسماء هؤلاء العلماء يأتي في عموم المفسرين، ولم يتيسر لي العثور علي دراسة مستقلة عن المفسرين في بلاد ما وراء النهر علي قدر بحثي.
4-       حبي لعلم مناهج المفسرين ،وقصدي أن أُسهم في إثراء ما کُتب في هذا العلم مع قلة بضاعتي.
منهجي في العمل:
1-   أُترجم للمفسر بعرض السيرة الذاتية له منذ نشأته وحتي وفاته، ثم اذکر مؤلفه التفسيري بنوع من التفصيل والشرح وبيان المنهج ما استطعت إلي ذلک سبيلاً.
2-   رتبت العلماء حسب الوفاة ،وقمت بترقيمهم بمسلسل واحد متصل ، حتي تسهل الإحالة إلي مواطن ذکرهم برقم الترجمة.
3-   في ترجمتي للأعلام قد استطرد أو أختصر، وهذا مرجعه إلي ما أجده في کتب التراجم عن شخصية المُترجم له غزارة أو ندرة.
4-       أذکر في بعض الأحيان مسائل متعلقة بنسبة الکتاب إلي صاحبه؛ إن کان هناک خلاف في نسبة الکتاب إليه.
5-     ترجمت لأغلب الاعلام الذين ورد ذکرهم في البحث من شيوخ وتلاميذ أئمة التفسير، وترکت الترجمة لمن انقل عنهم من علماء الانساب والبلدان والتواريخ لشهرتهم کالذهبي والسمعاني والخطيب وابن کثير وغيرهم.
6-   في ذکري لأسماء البلدان بينت الاسم الجديد المتعارف عليه اليوم ،حتي يسهل علي القارئ معرفة بلد النشأة للعالم المُترجم له، ولم أغفل ذکر اسم البلدة کما ورد في کتب التراجم القديمة.
7-   هناک أبحاث علمية جمعت الأقوال المنثورة في التفاسير لعلماء لم تصل إلينا تفاسيرهم ، وقد أدرجتهم في التفاسير المطبوعة رغم عدم العثور علي کتبهم ؛لأن أقوالهم التي جٌمعت من تفاسير العلماء أُخذت من کتبهم التي لم تصل إلينا ،فکان الجمع مأخوذاً من الأصل ، کالإمام عبد بن حميد ،والامام القفال الشاشي.
8-   في المبحث الثاني: لا أجزم بأني قمت بحصر شامل لجميع المفسرين في بلاد ما وراء النهر بل أحسب أني تقصيت وتتبعت کتب التراجم علي قدر الوسع والطاقة، وإن فاتني شيء فالسهو والنقصان شيمة عمل الإنسان.
خطة البحث
هذا وقد قسمت البحث إلي مقدمة وتمهيد ومبحثين وخاتمة.
فأما المقدمة: فذکرت فيها أسباب تناولي للموضوع وخطة البحث.
وأما التمهيد: فذکرت فيه تعريفاً ب (بلاد ما وراء النهر) مع بيان أشهر مدنها مع ذکر بعض علمائها.
وأما المبحث الأول: فخصصته لذکر أشهر المفسرين في بلاد ما وراء النهر ،ممن وصلت إلينا تفاسيرهم وطبعت، مع نبذة عن مناهجهم في التفسير.
وأما المبحث الثاني: فذکرت فيه مفسري ما وراء النهر ممن ذُکروا في کتب التراجم من جملة المفسرين، ولم نجد کتبهم إما لفقدها فلم تصل إلينا، أو لأن تفاسيرهم مازالت مخطوطة.
وأما الخاتمة: فضمنتها أهم النتائج والتوصيات.
ثم المصادر و الفهارس.
وأسأل الله العلي العظيم أن يجعلنا ممن يقومون بخدمة کتاب ربنا عز وجل علماً وعملاً, وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الکريم.
 وصلي اللهم علي رسولک الأکرم، ونبيک الأعظم سيدنا ومولانا محمد، وسلم تسليماً کثيراً.
 

الكلمات الرئيسية