مِن بَلاغَـةِ التَّمَنِّى بِغَيْرِ (لَيْتَ) فِـى الذِّکْــرِ الْحَکِيـمِ

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

أستاذ البلاغة والنقد المساعد فى کلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بقنا جامعة الأزهر

المستخلص

أحمدک اللهم أن جعلت أُنسى فى مناجاتک، ومُتعتى فى تأمل عجائب کتابک، ونشوتى فى الکشف عن سرٍّ من أسرار بيانه، وهمتى فى البحث عما دقَّ وخَفِى من وجوه إعجازه، وأُصلى وأُسلم على من رفعت بالقرآن ذکره، فأعجز ببيانک فرسان البيان، وأسر ببلاغة نظمک الإنس والجان.
        وبعد:
فإن المعانى التى نَعدُّها من باب التمنِّى ذات طبيعة خاصة، لأنها من المعانى التى تتعلق بها القلوب، وتشتاق إليها النفوس، سواء أکانت مستحيلة، أم بعيدة، فالمتمنِّى يتعلق بها، ويشتد تعلقه حتى ينفلت من الواقع والممکن إلى الذى مضى وما لا يمکن، ويتعلق بالمستحيل، ويتشبث بخيوط الوهم، ويصير کالظمآن الذى لا يُروى أو يُستبعد ريُّه.
ووراء التمنِّى فى أکثر مواقعه ظمأ لا يُروى، فهو يصف آمالاً حبيسة، ورغائب لا سبيل إلى تحقيقها، ولو کانت هذه الأمنيات ممکنة فإنها عند المتمنِّى وفى حِسِّ نفسه مما يبعد تحققها؛ لأنها من أشواق الروح وتطلعاتها التى لا تحدها حدود، فالتَّمنِّى يبث فيه المتمنِّى حاجات النفس ورغباتها، ويسکب فيه عبراته وأحزانه؛ ترويحًا عن النفس وترجمة عما يجرى فى الخاطر.
وتجد هذا الأسلوب فى القرآن عظيم السلطان شديد السيطرة، فکثيرًا ما نجده على ألسنة الکافرين يوم القيامة يبثون فيه أحزانَهم، ويصور ندمهم وحسرتهم على فوات وقت الإيمان والعمل الصالح.
لهذا کان المقصود من هذه الدراسة، والدافع لهذا البحث؛ بيان دقائق التَّمَنِّى بغير (ليت) فى الذکر الحکيم، ثم الکشف عن الفروق الدقيقة بين ألوان التَّمَنِّى التى يُعبَّر عنها بغير (ليت)، کالاستفهام، والشرط، والأمر، والترجى، وبخاصة أننى لم أجد أحدًا – على حد علمى- قد خص هذا الموضوع بدراسة فى الذکر الحکيم.
وتبرز أهمية الموضوع فى أن التَّمَنِّى فى الذکر الحکيم ظاهرة تستحق الدراسة البلاغية سواء أُدّى بالحرف الموضوع له وهو (ليت)، أم أُدّى بطرق أُخر، لأن طلب الممتنع: حديث نفس والهة تملکها الذهول واستبد بها اليأس، فاحتجب العقل والوعى، فلم تعد تُفرِّق بين ما هو ممکن وما هو مُحال، ووراء ذلک إيحاءات ثرية تنمُّ عن نفس محطمة وآمال ضائعة،والبحث –إن شاء الله- يکشف عن هذه الإيحاءات، ويُبيِّن أسرارها، ومدى ارتباطها بنفوس أصحابها، والمقامات التى اقتضتها، بما يمثل إضافة فى مجال البحث البلاغى – إن شاء الله-.
هذا: وقد جاءت خطة هذا البحث: (من بلاغة التَّمَنِّى بغير (ليت) فى الذکر الحکيم) على النحو التالى:
المقدمة: وفيها أهمية الموضوع، والدافع إليه.
المبحث الأول: (مفهوم التَّمَنِّى وقيمته البلاغية)، ويتضمن، تحرير مصطلح التَّمَنِّى فى اللغة، وتحرير مصطلح التَّمَنِّى عند البلاغيين، وصيغ التَّمَنِّى، والفرق بين التَّمَنِّى والتَّرَجِّى، والقيمة البلاغية للتَّمنِّى.
المبحث الثانى: (التَّمَنِّى بطريق الاستفهام)، ويتضمن المحاور الآتية:
 أولاً: التَّمَنِّى بـ(هل)، ويشمل المقامات الآتية: تمنِّى الشفعاء يوم القيامة، وتمنِّى الإنظار والإمهال، وتمنِّى الردّ إلى الدنيا، وتمنِّى الخروج من النار.
 ثانيا:التَّمَنِّى بـ (أين).
المبحث الثالث: (التَّمَنِّى بطريق الشرط)، ويشمل المحاور الآتية: تَمنِّى الرجوع إلى الدنيا فى سياق سورة الشعراء، وتَمنِّى الرجوع إلى الدنيا فى سياق سورة الزمر، وتَمنِّى الرجوع إلى الدنيا فى سياق سورة البقرة، ثم حروف التنديم والتحضيض.
المبحث الرابع: (التَّمَنِّى بطريق الأمر)، ويتضمن المحاور الآتية:
 أولاً: تمنى الرجوع إلى الدنيا.
 ثانياً: تَمنِّى التأخير والإمهال.
 ثالثاً: تَمنِّى الخروج من النار.
 رابعاً: تَمنِّى الماء أو الرزق.
 خامساً: تَمنِّى الموت والهلاک.
المبحث الخامس: (التَّمَنِّى بطريق التَّرَجِّى).
 الخاتمة: وفيها: أهم نتائج البحث، ثم أهم المصادر والمراجع، ثم الفهرس.
        وينبغى أن نؤکد على أن المعالجة البلاغية للموضوعات القرآنية تتضاعف صعوبتها من حيث حاجتها إلى التناهى فى الدقة والالتزام؛ خشية أن يخط القلم ما تزل به القدم، کما أن القرآن الکريم کتاب الله المعجز ، وهو الذى لا تفنى عجائبه، ولا تنقضى غرائبه، ولا يَخْلَق على کثرة الردِّ، ولا يحيط بأسراره إلا العليم الخبير.
ومن هنا فلا أدعى لنفسى أننى قد بلغت فى بحثى هذا درجة الکمال، فالکمال لله وحده، ولکنى اجتهدت قدر طاقتى، والله أسأل أن يقيل عثراتى، ويغفر زلاتى، وهو الهادى إلى سواء السبيل.(رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّکَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)
                                  
الدکتور
إبراهيم حسن أحمد
أستاذ البلاغة والنقد المساعد فى کلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بقنا جامعة الأزهر

الكلمات الرئيسية