معاناةُ الغربةِ في ديوانِ المعتمد بن عباد دراسة وتحليل

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

مدرس الأدب والنقد بکلية الدراسات الإسلامية والعربية فرع البنات بالمنصورة

المستخلص

الحمد لله رب العالمين ،والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد النبي الهادى الأمين ،وعلى آله والصحابة أجمعين ........وبعد
فإنَّ  للبعد عن الوطن أثرا کبيرا فى النفس لا يدرکه إلا من عاناه ،وعاش فى أجوائه،ونظر فى نفسه،وتأمَّل مجريات حياته فإذا بالظلال قد تغيرت ،وإذا بالألوان قد اختلفت،وطعم الحياة تبدل ،وأصبح بداخله بصمات قاسية ربما لا يمحوها الزمن .
على أنَّ بصيصا من الأمل يلوح فى الأفق من وقت لآخر عندما تطوق نفس الغريب إلى الذکريات الجميلة،والأيام الحلوة التى تذکره بما کان فى يوم من الأيام.
فيلقى بنفسه فى خضم هذه الذکريات بکلِّ مفرداتها ...ابتسامة حلوة ..صوت دافئ ..موقف مؤثر ..لمحة عابرة ...فيرى نفسه التى غابت عنه ،وغاب عنها حتى کاد أنْ ينسى ملامحها وقسماتها .
هذا . وإنْ وُهِبَ فنية صناعة القصائد ،والأشعار اتخذ منهما طريقا للتعبير عن شعوره وإحساسه ،ووسيلة للتنفيس عن صدر مکروب ،وقلب مکلوم ،فإذا بالتجربة صادقة لا محالة ،والتعبير عنها واصفٌ بلا شک .
هذا اللون من الشعر يُعدُّ بحق "کنوزا من ثروة وجدانية هائلة لا تکاد توجد فى تراث سائر الأمم"([1])
ولشدة أثر البعد عن الوطن ،ومفارقة الأهل والخلان ،وما فيهما من عناء ومشقة على النفس قال – سبحانه -فى محکم التنزيل  ( وَلَوْ أَنَّا کَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَکُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِکُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) ([2])  
وقال أيضا :
( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَکُمْ لَا تَسْفِکُونَ دِمَاءَکُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَکُمْ مِنْ دِيَارِکُمْ ) ([3])
ولا ننسى هجرة الرسول الکريم - r – من مکة إلى المدينة فهى صورة جلية لآلام البعد عن الوطن فقال مُعَبِّرا "والله إنک لخير أرض الله وأحبّ أرض الله إلى الله –عز وجل - ولولا أنى أُخْرِجْتُ منک ما خرجت "([4])
وصوَّر ابن جبير تلک المعاناة بقوله :





لا تغترب عن وطن




\


واذکر تصاريف النوى






أما ترى الغصن إذا




\


ما فارق الأصل ذوى([5])







تلک المعاناة عايشتها بکل مفرداتها ،وإن کنت لم أوهب ملکة التعبير عنها شعرا إلا أننى وجدت شعر المعتمد بن عباد([6]) تعبيرا عن لسان حالى ناطقا بما ينطوى عليه قلبى ،فشارکنى الشعور، وشارکته الإحساس ،ووجدت فى شعره صدى صادق لما فى نفسى ؛ فحزنت لحزنه ،وتألمت لألمه .
فقد تعرض المعتمد فى حياته "لمآسٍ من قرأها لابد له أن يکون جامد الحس فاتر العاطفة حتى لا يأسى لمأساة المعتمد ،ولا تهزه أشعاره الباکية ، وأنغامه الشجية ويؤثر فيه ما ذاق من الهوان وتعرض له من سوء المعاملة فى منفاه هو وزوجه وأولاده "([7])
وصدق فيه قول المقرى "فاعجب أيها العاقل لهذه الدنيا وعدم صفائها ، وبخلها بکمال الأحوال لأوليائها "([8])
وإن کانت محنته أکبر ،ومصيبته أعظم فقد جمع بين معاناة الغربة ،وآلام الأسر فى ظل أقسى سلطان بعد أن فقد العزة ،والسلطان .
من أجل هذا وجدت نفسى مدفوعة إلى القراءة فى شعر المعتمد ،والوقوف عند أبياته التى عبَّر من خلالها عن شعور کلِّ غريبٍ حزينٍ يعانى مرارة البعد عن الوطن .
"ونستطيع القول :إن أشعار المعتمد الشاکية هى التى حرکت مشاعر المؤرخين ،وحملتهم على الوقوف بجانبه ؛حتى غدت مأساة المعتمد حديث الناس عامة ،يتلقونها فى مختلف الأقطار "([9])
وهذا ما عبَّر عنه المعتمد قائلا :





أنباء أسرک قد طبقن آفاقا 




\


بل قد عممن جهات الأرض إقلاقا






سرت من الغرب لا يطوى لها قدم




\


حتى أتت شرقها تنعاک إشراقا([10])







وکان المنهج التحليلى([11]) بسماته وخصائصه هو الأنسب لفهم الأبيات ومعرفة دخائلها.
 
هذا وقسمت خطة البحث کالآتى:
مقدمة فيها سبب اختيار الموضوع والدافع إلى دراسته .
الفصل الأول : شعر الغربة تأصيلا وتفصيلا .
الفصل الثانى : شعر الغربة عند المعتمد  الأفکار والمعانى .
الفصل الثالث :شعر الغربة عند المعتمد الألفاظ والأساليب .
الفصل الرابع :شعر الغربة عند المعتمد صور ومشاهد.
الفصل الخامس : شعر الغربة عند المعتمد الوزن والإيقاع النغمى  .
خاتمة فيها أهم نتائج البحث وتوصياته .
فهرست يضم مصادر البحث ومراجعه .
 

الكلمات الرئيسية