القوقاز بين الفتح الإسلامي وتصدِّي القوى غير الإسلامية له من (17هـ/ 132هـ) (639م / 750م)

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

مدرس التاريخ والحضارة الإسلامية کلية اللغة العربية بإيتاي البارود

المستخلص

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد اللهم صلِّ عليه وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.                                                     وبعد،،،
اتجهت کثير من الدراسات التاريخية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي السابق إلى الاهتمام بدراسة أحوال البلاد الإسلامية المنحلَّة عنه، في محاولة للتعرف على تاريخها الماضي، ودخول الإسلام إليها، وکيف کانت استجابة أهالي هذه البلاد للإسلام؟
وخاصة وقد کانت تمثل أهمية کبيرة للدولة الإسلامية ؛ إذ إنها کانت من الأقاليم الحدودية، وقد اخترت من هذه الأقاليم «إقليم القوقاز»، والهدف من هذا البحث توضيح کيف فتح المسلمون هذا الإقليم ؟ والصعوبات التي صادفتهم وواجهتهم، وکيف انتشر الإسلام في هذه البلاد ؟ وکان لأهلها نصيب في حضارة الإسلام وفتوحاته.
ومما دفعني إلى اختيار هذا الموضوع أن منطقة القوقاز من المناطق الحدودية بين الدولة الإسلامية، وبين حدود الدولة البيزنطية، هذا العدو القديم الذي انتزعت منه الدولة الإسلامية کثيرًا من ممتلکاته في بلاد الشام ومصر وبلاد المغرب ؛ ولذلک عملت هذه الدولة البيزنطية على محاربة المسلمين في هذه المنطقة والتصدي لهم، ودبروا للقضاء عليهم بالتضامن والتحالف مع الأرمن تارة، ومع مملکة الخزر تارة أخرى.
ومما دفعني أيضًا لدراسة هذا الموضوع أن ما لدينا من دراسات تاريخية عن هذه المناطق، ومنها منطقة القوقاز يعد قليلاً، إذا ما قورن بغيرها من المناطق التي أخذت اهتمام جُلّ الباحثين، وقلة الدراسات التاريخية عن هذه البلاد قد يرجع إلى بعدها عن مرکز الخلافة الإسلامية، سواء في عهد الأمويِّين أو العباسيِّين.
والعنوان الذي اخترته لهذا البحث «القوقاز بين الفتح الإسلامي وتصدي القوي غير الإسلامية له».
   - أما عن خطة البحث فقد قسمته إلى مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة.
تحدثت في المقدمة عن سبب اختيار هذا الموضوع، والهدف الذي يهدف إليه البحث.
وتناولت في الفصل الأول: التعريف ببلاد القوقاز من حيث الموقع الجغرافي لها، والحدود الطبيعية، والتقسيم الإداري لبلاد القوقاز، والإشارة إلى أهم المدن وسکان البلاد، واختلاف أجناسهم.
أما الفصل الثاني: وعنوانه «فتح بلاد القوقاز في عهد الخلفاء الراشدين» «الفتوحات الإسلامية لبلاد القوقاز في عهد الخلفاء الراشدين» ألقيت الضوء فيه على الفتح الإسلامي لهذه البلاد، والتي بدأت في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، بعد سقوط بلاد الشام والعراق في أيدي المسلمين، فکانت بلاد القوقاز هي الامتداد الطبيعي لحماية الفتوحات السابقة، وللقضاء على الفلول الهاربة من القوات الفارسية نحو هذه المناطق، بالإضافة للتصدي لخطر البيزنطيين، الذين لا يطمئنون للوجود الإسلامي بهذه البلاد، ثم تکلمت عن الفتح الإسلامي في عهد أمير المؤمنين عثمان بن عفان، والسياسة التي اتَّبعها الولاة والقادة مع أهالي هذه البلاد، ثم بيَّنت أثر الفتنة الکبرى على سير الحرکة الفتح، ثم بيَّنت أن حرکة الفتوحات توقفت تمامًا في عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ؛ لانشغال الدولة بخلافاتها الداخلية ؛ مما شغلها عن سير الأحداث ؛ مما أعطى الفرصة لتلک القوى المعادية للإسلام من السيطرة على هذه البلاد والثورة على المسلمين.
أما الفصل الثالث: وعنوانه «الفتوحات الإسلامية لبلاد القوقاز في عهد الأمويِّين».
فتکلمت فيه عن الجهود المضنية العظيمة التي بذلها الأمويُّون للسيطرة على هذه البلاد مرة ثانية، والقضاء والتصدي لهذه الأخطار، والسياسة التي اتَّبعها معاوية بن أبي سفيان لإدارة الأحداث في هذه البلاد، ومرورًا بعبد الملک بن مروان، بعد أن ضعف اهتمام الدولة في عهد يزيد بن معاوية لانشغالها بالثورات الداخلية.
کما أوضحت مدى تعاون هذه القوى غير الإسلامية، والمعادية للمسلمين في تحالفهم لإخراج هذه البلاد من سيطرة المسلمين، وبالرغم من نجاحهم في بعض الأوقات إلا أن جهود القادة الأمويِّين الصادقة في مقاومتهم، والقضاء على هذه التحالفات بين مملکة الخزر والبيزنطيين تارة، وبين الأرمن وسکان البلاد والبيزنطيين تارة أخرى، کان لها أکبر الأثر في بقائها تحت الحکم الإسلامي، ولا شک أن کل هذا جعل ولاة القوقاز من الأمويِّين أمثال مسلمة بن عبد الملک ومروان بن محمد وغيرهما على وعي تام بما يدار للمسلمين من هذه القوى المعادية، الأمر الذي جعلهم يبذلون جهودًا صادقة في مقاومتهم والقضاء على هذه التحالفات، واستخدام سياسة الشدة تارةً، واللين تارةً أخرى مع شعوب هذه البلاد.
وقد ظلت قبضة الأمويِّين على هذه البلاد قويةً حتى کانت رايات العباسيِّين تزحف نحو بلاد الشام، للقضاء على دولة الأمويِّين فکانت بلاد القوقاز وغيرها من ضمن البلاد التي وقعت في حوزة العباسيِّين، وأصبح للعباسيِّين السيطرة التامة على هذه البلاد.
فجزى الله الأمويِّين خير الجزاء على ما بذلوه وقدموه، وما قاموا به من تضحيات للحفاظ على إسلام هذه البلاد، وحمايتها من الکفر والإلحاد، الأمر الذي جعل کثير من أهالي هذه البلاد يقوم بدوره هو الآخر، فظهر منهم الکثير من العلماء، والدعاة، والصالحين، والقادة لرفع راية الإسلام بعد ذلک، فجزى الله الفاتحين عنا وعن أهالي هذه البلاد خير الجزاء.
وأنهيت هذا البحث بخاتمة أوضحت فيها أبرز ما توصلت إليه من نتائج.
وهذا وأحمد الله تعالى العلي القدير، وأشکره على ما منَّ به علىّ من نعمةٍ وفضلٍ،  وأشکر کل من قدَّم إليّ نصحًا صادقًا، أو معونةً خالصةً من أساتذتي الأفاضل وإخواني الکرام , جزاهم الله عنِّي خير الجزاء.
وأملي أن يسدّ هذا البحث فراغًا في مکتبتنا التاريخية، فإن أصبت فما توفيقي إلا بالله، وإن کان غير ذلک فحسبي أني بذلت جهدي.
والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.
د/سعيد عبد الجواد أبو زيد
 

الكلمات الرئيسية