أثر اللغة الفارسية في اللغة العربية الألفاظ الفقهية (نموذجاً )

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

المدرس في قسم أصول اللغة بکلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالمنصورة

المستخلص

الحمد لله الذي أنزل القرآن عربيًا خالصًا ، والصلاة والسلام على أفصح العرب منطقًا ، وأبلغهم بيانًا ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :
تمهيد :
إنَّ تقاربَ الشعوب وتعارفها أمرٌ حثَّ عليه القرآن الکريم قال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاکُم مِّن ذَکَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاکُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا }([1]) ، واللغة العربية هي الوسيلة الأصلية ، والمؤثرة في تعارف تلک الشعوب ؛ لکونها وسيلة التواصل والتعارف، ونقل الثقافات والمعارف ، ومن ثم فالتقارب اللغوي أمرٌ حتمي من الناحية المعرفية، والاجتماعية ، وقبل ذلک من الناحية الدينية ، وخاصة اللغة العربية ؛ لأن اللغة العربية وإنْ کانت خاصة من حيث المنشأ بالعرب ، لکن من حيث الدين ليست خاصة بالعرب بل هي عامة لکل البشر أخذاً من عمومية رسالة النبي -r- قال تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَاکَ إِلاَّ کَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا } ([2])
وهذا يفسر بزوغ عدد من غير العرب في اللغة العربية ؛ حيث يعتبرونها لغتهم ، وإرثهم ، وحضارتهم ؛ لأن انتمائهم للإسلام أعطاهم کل ما للعربي من حقوق ، فلا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى ، بل إن بعضهم فاق أقرانه من العرب في اللغة العربية ، وآدابها ، ومن ثم وجدناهم يؤصلون نحوها ، ويجمعون ألفاظها ، ويرتبون معاجمها ، وفي ذلک يقول ابن خلدون : " والدين إنما يستفاد من الشريعة ، وهي بلسان العرب ، بما أن النبي r عربي ، فوجب هجر ما سوى اللسان العربي من الألسن في جميع ممالکها ، واعتبر ذلک في نهي عمر- t- عن رطانة الأعاجم ، وقال : إنها خب ، أي مکر وخديعة ، فلما هجر الدين اللغات الأعجمية ، وکان من القائمين بالدولة الإسلامية عربياً، هجرت کلها في جميع ممالکها؛ لأن الناس تبع للسلطان وعلى دينه، فصار استعمال اللسان العربي من شعائر الإسلام وطاعة العرب ، وهجر الأمم لغاتهم ، وألسنتهم في جميع الأمصار والممالک ، وصار اللسان العربي لسانهم ، حتى رسخ ذلک لغة في جميع أمصارهم ومدنهم" ([3])0
ومن ثم فاللغة العربية تؤثر في اللغات الأخرى ، والتاريخ يؤکد ذلک ، کما أنها تأثرت بغيرها من اللغات ؛ ولذلک کان من الطبيعي ظهور المعرَّب في اللغة العربية ، ويمدنا التاريخ بأدلة بيِّنة على تجاوب اللغة العربية مع کل تطور، ومسايرتها لکل نهضة ، ومتابعتها لکل جديد ، فالاتصال بين اللغات ضرورة يفرضها الواقع والحياة ، فلا تستطيع أمة أن تحيا حياة کريمةً دون اتصال بغيرها من الأمم  تنهل من حضارتها،وتستفيد من تقدمها ، وتستعين بما وصلوا إليه ، والوسيلة الوحيدة لذلک هي اللغة ، "وحين نتطلَّبُ لغةً لا تأخذُ من غيرها ، ولا تستمدُّ من سوَاهَا ، ولا تتأثَّرُ بلغات ما يکتنفُها من شعوب ، حين نتطلَّبُ ذلک فنحنُ نطلبُ المستحيلَ ، ونبحثُ عمَّا لا نجدُ " ([4])0
فاللغة کائن اجتماعي خاضع للتأثير والتأثر ، حتى يمکن القول : بأنه لا توجد لغة ، إلا وتأثرت بغيرها من اللغات ، فلا توجد لغة خالصة ، أو خالية من التأثر بغيرها من اللغات ، وما أصدق قولُ رشيد رضا: " لما کان الإسلام دين التوحيد ديناً عاماً لکل البشر ، وکان من مقاصده أن يؤلف بينهم ، فرض عليهم توحيد اللغة فخرجت هذه اللغة عن أن تکون لغة شعب واحد منهم ، ولولا ذلک لم تؤثرها جميع الشعوب الإسلامية على لغاتها حتى عمَّ انتشارها في المشرق والمغرب مع الإسلام". ([5]) ، وأرى کثيراً من الباحثين المسلمين يتحسسون کثيراً ، ويتحرجون من نسبة لفظة إلى لغة أخرى غير العربية ، ويرون هذا غضاً من شأن لغة القرآن ، في حين أن الأمر أسهل من ذلک ، فغاية الأمر أن العرب تتأثر بغيرها من الأمم قديماً وحديثاً ، وغير العرب يتأثرون بالعرب في مثل ذلک ، والأمثلة کثيرة في اللغتين0
يقول الخفاجي : "والعرب کما تعرّب الأعجمي کذلک العجم تعجم العربي کما قالوا : في قفص بالصاد قفس بالسين "0([6]) ، بل إنَّ اللغةَ العربية معرضة أکثر من غيرها في التأثير والتأثر ؛ لأنها لغة عامة " فاللغة العربية ليست خاصة بجيل العرب سلائل يعرب بن قحطان بل هي لغة المسلمين کافة، ولغة شعوب أخرى من غير العرب ، وطوائف من العرب غير المسلمين، وما خدم الإسلام أحد من غير العرب إلا بقدر حظهم من لغته، ولم يکن أحد من العرب في النسب يفرق بين سيبويه الفارسي النسب ، وأستاذه الخليل العربي في فضلهما واجتهادهما في خدمة اللغة ، ولا بين البخاري الفارسي وأستاذه أحمد بن حنبل العربي في خدمة السنة، بل لم يخطر في بال أحد من سلف الأمة ولا خلفها قبل هذا العصر أن يأبى تفضيل کثير من الأعاجم في النسب على بعض أقرانهم وأساتذتهم من العرب فيما امتازوا به من خدمة هذا الدين ولغته " 0 ([7])
ومن ثَمَّ فإنَّ هذا الموضوع ليس مجرد دراسة تاريخية ، أو وصفية ، أو تحليلية القصد منها بيان قواعد جامدة يمکن الاستفادة منها في حل بعض المشاکل في قضية التعريب ، إنما هي محاولة لاستجلاء وتوضيح الصلات اللغوية ، والثقافية بين اللغة العربية واللغة الفارسية ، ومؤکدة التبادل والاقتراض اللغوي بين اللغتين ، وموضحة أواصر المودة العلمية ، وصلة الرحم الفکرية ، التي ربطت الفکر العربي الإسلامي بالتراث الإنساني في کل مکان ، ومع کل لسان0
کما أنها تهدف إلى إظهار عالمية اللغة العربية ، وانفتاحها على جميع العلوم الإنسانية، في المشرق والمغرب ، وبيان أن تداخل اللغات من أهم وسائل الترابط الثقافي والحضاري بين اللغات ، ومحاولة لبيان قيمة التعريب ، وأهميته ، والاحتياج إليه ، والتنبيه على خطأ الفريقين المتشددين في قضية التعريب ([8]) :
الفريق الأول : القائل برفض التعريب والانکماش على الذات ، والفريق الثاني : القائل بفتح التعريب على مصراعيه دون مراعاة للأسس والخصائص العربية ، بل هي مساهمة في إظهار الدليل على أن مشکلة التعريب لها حل إذا اتبعنا المنهج العربي القديم في التعريب .
سبب اختيار الموضوع :
أولاً : التأکيد على أن التعريب أمر طبيعي ينتج عن التقارب بين أهل اللغات0
ثانياً : بيان منهج وطريقة العرب في التعريب للاستفادة بهما في التعريب في العصر الحديث 0
ثالثاً : أنها محاولة لبيان الأبعاد التاريخية ، والحضارية ، والاجتماعية ، واللغوية التي أدت إلى استخدام هذه الألفاظ0
رابعاً : بيان أن تأثير اللغة الفارسية في اللغة العربية کان متنوعاً من حيث مجال الکلام أو الميادين التي استخدمت فيها هذه الألفاظ0
خامساً : التحذير من خطورة التوسع في التعريب الغير المنضبط  - الموجود الآن - على اللغة ، فالحفاظ على اللغة العربية واجب شرعي ؛ لأن اللغة العربية لغة القرآن ولغة الدين ، ولا يمکن قراءة القرآن ولا فهم الدين إلا من خلالها ، وأيضاً واجب قومي ومجتمعي إذ لا يمکن الحفاظ على هوية المجتمع إلا بالحفاظ عليها ، فاللغة هي رمز الأمة 0
سادساً : أن مجال العلوم الإسلامية عامة والفقه الإسلامي خاصة من أکبر وأوسع المجالات العلمية التي نفذت من خلاله اللغة الفارسية إلى العربية0
سابعاً : أن ميدان الألفاظ الفقهية لم يحظى باهتمام کبير من الدراسين ، ولم تکثر فيه الدراسات اللغوية بعکس القرآن الکريم والأحاديث النبوية اللذين حظيا باهتمام کثير من الدارسين والدراسات اللغوية0
سبب اختيار الفارسية :
 أما عن سبب تخصيص الفارسية بالدراسة دون غيرها فيرجع إلى أنها أکثر اللغات تأثيراً في العربية ، ويظهر ذلک من خلال ما نص عليه علماء اللغة من الألفاظ المعربة فأکثر ما نص على أصله من الألفاظ المعربة هي الألفاظ الفارسية 0
المنهج الذي اتبعته في البحث يتضمن ما يلي :
1-       أبيِّن أصول الألفاظ في اللغة الفارسية0
2-   إسناد الآراء القائلة بالتعريب أو عدمه إلى أصحابها مع تحقيق النقل عن بعض العلماء التي نسبت إليهم آراء في التعريب عن طريق الغلط0
3-   البحث عن الألفاظ المعربة في المعاجم القديمة ، وخاصة التي اهتمت بقضية التعريب ، للوقوف على أصل هذه الألفاظ ، مع الاستشهاد بالمؤلفات الحديثة للربط بين القديم والحديث 0
4-       أذکر ما حدث فيها من تغيير0
5-        بيان اللغات الواردة في الألفاظ0
6-       أوضِّح الاشتقاق الذي حدث فيها إن کان ثمة اشتقاق 0
7-       أوضِّح معناها في الفارسية0
8-       أبيِّن المعنى الدلالي الذي انتقلت إليه الفظة مع ذکر المعنى الجديد إن اکتسب اللفظ دلالة جديد 0
9-       أذکر ما يظهر لي رجحانه في الألفاظ المختلف في تعريبها مع بيان سبب الترجيح0
10-  أستشهد على تلک الألفاظ بالآيات والأحاديث والشعر العربي واستعمال الفقهاء للألفاظ0
 
 
خطة البحث :
وقد جاء هذا البحث في تمهيد وفصلين :
التمهيد : واشتمل على المقدمة ، أسباب اختيار الموضوع ، المنهج الذي اتبعته في البحث 0
الفصل : الأول الدراسة النظرية : وقد اشتملت على أربعة مباحث  :
المبحث الأول : العرب والألفاظ الفارسية0
أولاً : المعرب والدخيل عند اللغويين0
ثانياً : موقف العرب من الألفاظ الفارسية0  
ثالثاً : کيفية قبول العرب للألفاظ الفارسية0
رابعا : سبب التدخل وعدمه0
المبحث الثاني : التعريب بين الإيجابية والسلبية : (التعريب ضرورة مُقَيدة وليس عيباً)
المبحث الثالث : الاختلاف في الألفاظ المعربة سببه0
أولاً : أسباب الاختلاف في الألفاظ المعربة0
ثانياً : کيفية معرفة المعرب0
ثالثاً : طرق التعريب0
رابعاً : أثر التعريب في الألفاظ0
المبحث الرابع : تاريخ التأثير الفارسي في اللغة العربية
أولاً : بداية التأثير0
ثانياً : العصر الجاهلي أقل العصور تأثراً0
ثالثاً : العصر الإسلامي وقوة التأثير وأسبابه0
السبب الأول : الديني0
السبب الثاني : السبب الاجتماعي0
السبب الثالث : السبب الحضاري0
السبب الرابع : السبب السياسي0
رابعاً : نظرة على الکلمات المعربة لدى الفقهاء0
الفصل الثاني : الدراسة التطبيقية ، وقد قسمتها إلى مبحثين :
المبحث الأول : الألفاظ المتفق على تعريبها0
المبحث الثاني : الألفاظ المختلف في تعريبها0
 

الكلمات الرئيسية