"رؤى بلاغية ونقدية" فى قصيدة أنشودة المطر للسياب

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

أستاذ البلاغة والنقد المساعد فى کلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالزقازيق

المستخلص

الحمد لله العلي الأعلى، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وخاتم النبيين, وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
وبعـد.
محاور هذا البحث تبلور" رؤى بلاغية ونقدية في قصيدة أنشودة المطر للسياب" وهي رؤية بلاغية ونقدية في استقراء القصيدة ، ووصف مکوناتها البلاغية التي تجعل منها بوتقة معرفية ترتقي إلى حد الجمال في التعبير عن شعر التفعيلة خاصة، وأنماط الشعر الأخرى عامة. وفي هذه الرؤية نتتبع خواص تراکيب الکلام المتمثلة في التعبير عن المعنى بطرق مختلفة , والموصوفة بمطابقة الکلام لمقتضى الحال, متجولة في وجوه تحسين الکلام. ولذلک عمدت في تکوين بنيتها المعرفية إلى وضعها في ميزان البلاغة العربية ،ووازنت بين فنون البلاغة وبين مقصد الشاعر حيث اتفقنا أو اختلفنا في الوصف أوالتحليل , فالتحليل هدفه الوصول إلى الوصف الأبلغ لماهية النص وتأويله "لأن أجود الشعر أبلغه". وأن النص وسيط " فهم وإفهام " فغاية القائل والسامع إدراک سمات الکلام البليغ , وهو لا يتأتى إلا عن طريق الدراسة والبحث والتأمل، ومن هنا نحتاج دائمًا إلى الدراسات البلاغة ، التي من أهم أهدافها الکشف عن العناصر البلاغية التي تساعدنا على تربية الذوق للبليغ وللناقد على حدٍ سواء.
ولم ينل شاعر معاصر من اهتمام النقاد والباحثين وعنايتهم بشعره أکثر مما ناله بدر شاکر السياب, وعلى الرُّغم من کثرة الذين درسوا شعره دراسة نقدية وفق مناهج مختلفة, إلا أننا لا نجد من حاول أن يفيض من عناصر علوم البلاغة بفروعها المختلفة في توجيه النص وفهمه, إلا مواطن قليلة شتَّى متناثرة بين سطور بحوثهم .
ومن ثم أسرتني "أنشودة المطر" بما تحويه من حيوية ومشاعر صادقة ومختلفة, فالسياب شاعر متألم من الأعماق نفسيًا وجسديًا منذ طفولته التي حُرِم فيها من حنان الأم والأب ورعاية الأقارب، فهو وليد بيئته التي اشتد فيها وطأة الحياة على الناس حتى تمنوا الموت جهارًا ونهارًا بانفعال صادق النبرة مخلص الأداء. ومن خلال تعبيره عن آلامه ترک لنا نتاجًا شعريًا صَّور فيه عذابه ولوعة اغترابه وحرارة اشتياقه إلى الأهل والوطن, فکان هذا دافعًا وحافزًا لکي أتناول التحليل البلاغي في شعر السياب متمثلا في "قصيدة أنشودة المطر" لأظهر مدى تأثر السياب بعلوم البلاغة المختلفة، وکيف استطاع التعبير عن تلک الأنشودة وجعلها مصحوبة بالألم الذي رافقه منذ البدايات المبکرة لشبابه.
وهذه الرؤي تختلف عن کل ما کتب حولها في القديم والحديث؛ حيث بنيت على تأمل عميق طويل في فنون البلاغة المختلفة، ولم اعتمد على مجرد استخراج مصطلحات بلاغية بحتة، حيث إن تراث السياب معلم بارز؛ فهو منارة حيث قيل عنه: (إنه ملأ الدنيا وشغل الناس)! والسياب – في تقديرنا – کان جديرًا بأن يملأ الدنيا، ويشغل الناس بأکثر مما صنع غيره ؛ لنتفق حول هذه الرؤى أو نختلف؛ لکن ما ينبغي ألا نختلف عليه: أن تراث السياب، وقصيدة أنشودة المطر في مقدمته؛ شهادة نضعها في مقدمة من يستحقون الانتماء إلى الشعر الحر (شعر التفعيلة) والانتساب إلى الأدب الإنساني العالمي!. ولسنا نبالغ حين نقول: إن السياب أحق شعراء الشعر المعاصر بوصفه بأنه شاعر الحزن والأمل.. عندما التزم السياب في إبداع تلک الأنشودة الزاخرة المتدفقة الحاشدة بالمعاني البلاغية المختلفة؛ فهل کان صنيعه هذا نافلة يثاب عليها، أو تکلفًا يحاسب عليه؟! وهل لقصيدته هذه نظير في التراث الشعري العربي- شعر التفعيلة -؟ وما علاقة اسم الأنشودة بمضمونها؟ وإلى أي مدى اقتضى المضمون فيها الشکل؟. قضايا کثيرة متشعبة ومتداخلة يعالجها هذا البحث...
ولکن لماذا نتصدى للرؤى البلاغية والنقدية في أنشودة المطر؟ ذلک لأنني أدرکت - وأنا أؤمن إيمانا لا يدرکه أي اضطرابٍ- , أنه حين نملک زمام الحقيقة نستطيع أن نعبر عنها بوضوح. فالعمل الشعري مجال فسيح للتأويل، ويتوقف ذلک على ثقافة القارئ، ودربته، لذلک نجد عطاء النص الأدبي متجدداً أزلياً لا ينفد أبداً, فکلما استعطاه قارئ أعطاه، ولن يتأتى ذلک إلا بأدوات منهجية فاعلة، ومؤهلات علمية عالية .
والأنشودة تمتاز بسلامة اللغة, ودقة التعبير وحسن الوصف, وروعة التصوير, وکما کان هذا عاملا من عوامل إنجاز البحث کان أيضًا من الصعوبات التي واجهتني في هذه الدراسة حيث إن عمق الأنشودة, وما فيها من ثراء بلاغي يحتاج إلى أکثر من دراسة , کما يحتاج إلى الکثير من الوقت لإنجازه للوصول إلى ما في الأنشودة من درر کامنة .
کما أن کثرة المراجع التي تناولت شعر السياب ، وما تراکم  فيها من إنجاز نقدي حول هذا الشاعر يجعل أي محاولة لقراءته اليوم حرثًا في أرض مترعة بالتأويلات, ودخولا في غابة کثيفة من الدلالات والاستقصائيات المنهجية الشيقة , لأنها تنطلق کذلک من حاضر ثقافي صاغ السياب بعض القيم الفکرية والقومية والشعرية الأصيلة فيه. 
ومن هنا بذلت کثيرًا من الجهد فلم أترک مرجعًا إلا قصدته في سبيل أن أجمع شَتات ذلک البحث , وأنا مدينة بواجب الشکر لعدد کبير من الأدباء والنقاد , حتى ليظن الظان أن الأمر لم يعُد فيه متسع لمقال , ولکن الأمر غير ذلک, حيث تم دراسة السياب الشاعر وليس السياب البليغ .
وسرت في هذا البحث على المنهج "التحليلي البلاغي النقدي الاستقصائي", حيث وضحت الألفاظ الغامضة معتمدة في ذلک على المعاجم اللغوية, فذکرت المعنى العام لکل بيت مع ربطه بسابقة ولاحقه , ثم حللت الأنشودة تحليلا کاملا بالوقوف عند بعض الألفاظ , مبيِّنة سر التعبير بها دون غيرها, وسر مجيئها على الصيغة التي جاءت عليها دون غيرها من الصيغ الأخرى , موضحة ما في الأنشودة من بلاغة تراکيب من حيث نظم الکلام على الخبر والإنشاء والتعريف والتنکير والتقديم والتأخير والذکر والحذف, والإيجاز والإطناب والقصر والفصل والوصل وغير ذلک, کما تعرضت للصور البيانية من تشبيه ومجاز لغوي وکناية , کما ذکرت أيضًا مواضع استعمال الشاعر للمحسنات البديعية سواء کانت لفظية أو معنوية , مبينة دورها في المعنى وسر التعبير بها في موضعها. ثم آثرت الجانب النقدي فتم نقد الألفاظ وجاء ذلک في ثنايا التحليل البلاغي للأنشودة , أما النقد العام فأفردت له محورًا خاصًا به .
واقتضت طبيعة البحث أن يأتي في مقدمة وتمهيد وستة محاور, وخاتمة ضامة لأهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة. وثبت للمصادر والمراجع . وفهرس للموضوعات .
- المقدمة : ذکرت فيها أهمية الموضوع والمنهج الذي سرت عليه.
- التمهيد : وجاء فيه السياب والشعر الحر – شعر التفعيلة- والتعريف بالشاعر وعرض الأنشودة.
- المحور الأول :  المقدمة الغزلية المُطَوَّرة وفنونها البلاغية.
- المحـور الثاني :  تجارب الطفولة البائسة " ومضات بلاغية ".
- المحور الثالث : المشهد الاستهلالي حول فاعلية المطر, ودلالاته الترکيبية0
- المحور الرابع : المشهد الاستهلالي, حول حاسة السمع وأسراره البلاغية.
- المحور الخامس: قبسات بلاغية من المشهد الاستهلالي, حــول المطر والطفولة في العراق.
- المحور السادس: " نقد عام " ويتمثل في الرؤى النقدية للقصيدة.
- الخاتمة : ذکرت فيها أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة, ثم ذيلت البحث بثبت لأهم مصادر البحث ومراجعه, وفهرست لموضوعات البحث.
وأخيرًا أرجو أن أکون قد قدمت بين أيديکم بحثًا جادًا تمثلت فيه منهج الإمام عبد القاهر الجرجاني في التطبيق البلاغي على قصيدة أنشودة المطر, لشاعر حظى بکثير من الاهتمام من حيث التراکيب والصور والمبتکرات الفنية. وآمل أن يکون هذا العمل إضافة متواضعة لمن سبقني في هذا المضمار ، آملة أن نحفظ للغتنا قوتها وأصالتها، وقدرتها على التعبير والتأثير ، خدمة للغة القرآن الکريم ، فإن نفع فذلک رجائي فيه.
{ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَکَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}
        سورة هود أية 88
 

الكلمات الرئيسية