الذات والآخر في الأدب العربي (عصر بنى أمية) (رؤية تحليلية نصية)

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

مدرس الأدب والنقد ـ جامعة الأزهر

المستخلص

فإن الکلام عن الذات هو من قبيل الکلام عن الهوية والشخصية، وما يمکن أن تتفرد به من خصائص، قد توغلت في داخلها، وانعکست في مرآة سلوکها، وصارت جزءاً من حياتها اليومية. وأضحت من المنظور العلمي المتعقل مقياسا يحتکم إليه في معرفة مدى التقدم الحضاري للأمة ورقيها، ومقدار الشوط الذي قطعته في ارتقائها على سلم الحضارة الإنسانية، عبر الخارطة الکونية الشاسعة.
فإن الواقع العالمي الذي نعيشه الآن، وننغمس فيه وننجرف إليه في رحاب العولمة والتفاعل الحضاري، على مستويي الحوار والصراع، وواقع المسلمين في العالم بما فيه من  ضغوط وتخلف وضعف وتشتت ، ثم أولئک الذين يعادون مقومات الأمة وعناصرها التي تشکل ذاتها وتکون هويتها، کلها أمور تشجع على إعادة تناول التراث العربي الإبداعي برؤى متجددة، مرتبطة من حيث التناول بالعصر الذي نحياه، والروح العامة المسيطرة عليه، الداعمة لتوجهاته وتداعياته، ومن حيث ارتباط المحتوى الفکري بالعطاء الإسلامي وبالمعطيات التاريخية للأمة الدالة على الحرکة والتفاعل الإنساني، بين المسلم والمسلم من جهة، وبين غير المسلم والمسلم من جهة أخرى.
"إذ نحن في أمس الحاجة الآن – أکثر من أي وقت مضى – إلى معرفة ذاتنا في مواجهة الآخر، نتوقف على مناطق القوة فيها لندعم أساسها، ونقوي بنيانها، ونحاول التعرف على نقاط الضعف لتلاشى أسبابها.
وفي الوقت ذاته نتعرف على نظرة الآخر لنا، ومعرفة ما يمکن أن نتفق عليه، والأمور المختلف عليها، لفتح باب التحاور فيها وصولا إلى غاية مثلى نتوخاها جميعا، حتى يستطيع الجمع المعاصر، الحياة على هذا الکوکب، وبينهم قدر مشترک من التفاهم والتحابب والتحاور والسلام، لتکون هذه القيم بدائل عن التناحر والتباغض والصراع  والدمار.
وقد کان اختياري للعصور الأدبية الأولى ( الجاهلي وصدر الإسلام) لأنها الأزمنة البکر، التي تعطينا النتائج الأولية ، عن حقيقة الصراع أو الحوار بين الذات والآخر، اتضحت في الأول منه معالم الذات العربية، وفي الثاني معالم الذات المسلمة " ([1]).
لذلک خصصت للعصر الجاهلي کتاب (الذات العربية والآخر في الشعر الجاهلي)  وفي کتابي (النثر الفني الجاهلي الرؤية والتعبير) خصصت الفصل الأول منه للخطابة السياسية والحوار الحضاري، الذي اتضح في تلک الخطب التي باشرها الوفد العربي بتحريض من (النعمان بن المنذر) حيث يعلون فيها - أمام کسرى ومن معه -  شأن الذات العربية، مع الإصرار على إبراز  المعالم الإيجابية فيها وتوضيحها، تلک المعالم التي حاول کسري أن يشوهها أمام ضيوفه ملوک الهند والصين والروم.
وأما أدب عصر النبوة فقد أفردت له بحثا عنوانه ( الذات والآخر في أدب عصر النبوة - التشکيل النفسي والصدى الإبداعي ) .
وتأتي هذه الحلقة لتواصل المسيرة في تناول هذا اللون من الدراسة في حقبة زمنية أخرى هي العصر الأموي، وما أدراک ما العصر الأموي؟ .
إنه عصر الحراک السياسي بما فيه من تحزب ومذهبية وانتماء، إنه العصر الذهبي لظهور المعارضة السياسية المنظمة ، وکان لکل حزب جيشه وقواد، وعتاده المعتمد على التمويل الذاتي للدفاع عن الأهداف السياسية الکبرى، وهو العصر الذي نمت فيه الحياة الاجتماعية وتنوعت فيه مظاهر الرفاهية ورغد العيش عند طبقة غير قليلة من طبقات المجتمع، وظهر الغناء على الساحة الفنية کما لم يظهر من قبل،وظهر الصراح السياسي والقبلي ظهورا صارخا، وظهرت الطموحات السياسية وتوسيع دائرة الخلافة الإسلامية فکان عصر الفتوحات الإسلامية الزاهر، وکان عصر الحراک والنشاط العلمي الذي بدأ انطلاقته من خلال التوجيهات القرآنية الداعية إلى العلم والتعلم، وما صاحب الآيات القرآنية من بيان نبوي داعم للنشاط العلمي، وقد أعقب کل ذلک نشاط علمي إجرائي في شتى العلوم والمعارف الإنسانية، بحيث بات العصر الأموي الجذور الحقيقية للنهضة العلمية الواسعة التي تحققت على أيدي المسلمين في العصر العباسي، عصر الحضارة والبناء والعطاء للإنسانية کلها.
 وزادت الذات العربية والمسلمة وضوحا ورسوخا عن ذي قبل ، وهو ما يعد سنة الله في خلقه التي تعتمد على التطور المرحلي المتنامي في بناء الذات وتشکيلها، لأن الأدوات البنائية للذات قد تطورت هي الأخرى وتشعبت ودخلت إليها عناصر من أمم أخرى، لها فکرها ولها فلسفاتها ولها أديانها وعقائدها ، تلک التي ترکت أثرها  واضحا في المتکلمين ومن تتلمذ على فکرهم وآرائهم، وکان لکل ذلک تأثير مباشر على سير الأمور السياسية في البلاد، وليست قضية خلق القرآن ومحاکمة العلماء والتنکيل بهم - في العهد العباسي -  اعتمادا على إقرارها أو إنکارها، هي ليست منا ببعيدة، تلک التي کانت إفرازا فلسفيا ترجع جذوره إلى العصر الأموي،  وقد واکب الأدب العربي – شعرا ونثرا -  هذا الحراک، وهذا التفاعل أو الصدام، أو حوار الذات مع الذات سواء کان حوار صدام واحتدام، أو حوار ووئام وسلام .
أهمية الدراسة :
ومن هنا تأتي أهمية هذه الدراسة التي تحاول الکشف عن بعض ألوان الصراع المنفعل، والحوار المتعقل، وصدى ذلک في أدبنا العربي الأموي، وبخاصة إذا علمنا أن نتيجة ذلک الحراک السياسي الحزبي المذهب
ي مازال ممتدا حتى وقتنا الحاضر، ويتحکم في کثير من التوجهات السياسية المعاصرة في العالمين العربي والإسلامي .
 

الكلمات الرئيسية