فليس هناک أمة اهتمت بلغتها اهتمام العرب بلغتهم ، ويسجل التاريخ لهم الإبداع في القول ، والتنافس في مقام الفصاحة ، والتباري في صنوف البيان ، وفنون الکلام. وتعکس الأسواق التي کانت منتشرة في بقـاع الجزيرة العربية مدى حبهم للغتهم، وما کانوا عليه من حس لغوي ، وفطرة زکية ، لا تعرف اللحن . ولما جاء الإسلام ، وسعى إليه الناس من کل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ، ودخل فيه کثير من أهل العجم بدأ اللحن يتسلل إلى أسوار العربية ، ويعرف طريقه إلى مفرداتها وصيغها ، وأمست اللغة تلتوي بعد سلاستها ، وتمرض بعد سلامتها ، فخشي الفضلاء على لغتهم ، وشعروا بحاجتهم إلى علم يضبط قواعدها ، ويصون مفرداتها ، ويکافح اللحن بکل صوره وأشکاله ، ويضرب بسور بين العجمة واللسان العربي ، فلا يستطيع غير العرب أن يظهروه ، ولا تقدر الأمم الداخلة في الإسلام على نقبه . ومن هنا هرع العلماء إلى البادية منبع الفصاحة ومعين البيان ، فامتلأت البوادي بالوافدين عليها على اختلاف نزعاتهم ، وتباين مواطنهم ، وساحوا في الجزيرة العربية يلتقطون اللغة، ويتلقون العربية الخالصة من شوائب العجمة. وعکفت الألباب الخالصة ، والأذهان الصافية ، والأفهام الواعية على استنباط دقائق اللغة ، ولمِّ شواردها ، وقنص نوادرها ، وقد کان ذلک مع نهاية القرن الأول الهجري ، وبداية القرن الثاني تقريباً . وکان اللحياني واحداً من هؤلاء حيث قامت على أکتافه وأکتاف شيوخه من أئمة الکوفة أرکان المدرسة الکوفية ، التي کان لها الفضل الأکبر في رواية اللغة ونقلها وتدوينها ، ذهب إلى البادية والتقى بفصحائها ، وقد تمخض عن رحلاته إليها کتاب له في النوادر قال عنه القفطي : " حسن جليل "([1]) . إلا أن هذا الکتاب أتت عليه حوادث الزمان وعوادي الأيام ، فلم يعرف طريقه إلينا، وضن به الزمان علينا . والظاهر أن هذا الکتاب قد انطوى على علم غزير ، ونوادر مفيدة ، تبرز ما للکوفيين من إسهامات في القاعدة ، وتعکس السمات المنهجية للمذهب الکوفي ، وتوجِّه النظر إلي أن الکوفيين اعتمدوا أشياء ترکها البصريون نظروا إليها على أنها شاذة ومخالفة لأقيستهم ، فأتى بها الکوفيون ثقة منهم بأنها مهمة في إثراء اللغة ، ومفيدة في بناء الحکم النحوي . وقد تَبَيَّنتُ ذلک من خلال حکاياته المنثورة في کتب النحويين واللغويين ، وأفصح عنه ما تيسر لي الوقوف عليه من مسائل نحوية اشتملت عليها تلک الدراسة. ولما أردت أن أسلک بعض طرق أهل اللغة لعلّي أنال بعض فضلهم ، وجدت في تلک الحکايات جملة صالحة لإعداد بحث ، أسهم به في کشف النقاب عن تلک الحکايات ، وأثرها في بناء الحکم النحوي ، وأبين به إسهامات صاحبها في خدمة اللغة العربية . وقد جاء تحت عنوان : " حکايات اللحياني وأثرها في بناء الحکم النحوي "
عبد الصبور على حسن, عاطف. (2010). حکايات اللحياني وأثرها في بناء الحکم النحوي. حولية کلية اللغة العربية بجرجا, 14(6), 5221-5332. doi: 10.21608/bfag.2010.27518
MLA
عاطف عبد الصبور على حسن. "حکايات اللحياني وأثرها في بناء الحکم النحوي". حولية کلية اللغة العربية بجرجا, 14, 6, 2010, 5221-5332. doi: 10.21608/bfag.2010.27518
HARVARD
عبد الصبور على حسن, عاطف. (2010). 'حکايات اللحياني وأثرها في بناء الحکم النحوي', حولية کلية اللغة العربية بجرجا, 14(6), pp. 5221-5332. doi: 10.21608/bfag.2010.27518
VANCOUVER
عبد الصبور على حسن, عاطف. حکايات اللحياني وأثرها في بناء الحکم النحوي. حولية کلية اللغة العربية بجرجا, 2010; 14(6): 5221-5332. doi: 10.21608/bfag.2010.27518