الازدواج اللغوى الواقع والعلاج

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

عميد کلية اللغة العربية بجرجا وأستاذ علم اللغة

المستخلص

لا شک أن اللغة هى الوسيلة الأساسية فى تواصل بنى البشر ، وفى قضاء حوائجهم ، وبدونها يکون الناس فى عزلة ، أو يحتاجون إلى وقت طويل ، وآليات عديدة ؛ لتوصيل ما يريدون . ولذلک عرف ابن جنى اللغة بقوله " أصوات يعبر بها کل قوم عن أغراضهم "([1]) ، وهذا التعريف يوضح طبيعة اللغة وخصائصها ، فهى أصوات اتفقت المجموعة اللغوية على معانيها ، وأن اللغة اجتماعية ، لا تحيا وتعمل إلا بوجود المجتمع ، ووظيفتها تواصل هذا المجتمع فيما بينه من خلال اللغة ، وإن کان المحدثون داروا فى فلک هذا التعريف ، إلا أنهم حددوا لهذه اللغة أنظمة تربطها وتحددها ، ولولا هذا النظام ما اتضحت الدلالة ، ولا تجدد المعنى ، فاللغة ليست فوضى بأن تتألف من أصوات أو ألفاظ لا رابط بينها ، ولذلک عرفوا اللغة بقولهم " إن اللغة نظام عرفى لرموز صوتية يستغلها الناس فى الاتصال بعضهم ببعض "([2]) وحاجة الناس للغة تماثل حاجتهم إلى ما يقيم أَوْدهم ، ويُبقى حياتهم من الطعام ، وهذا ما قال به عبد الملک بن مروان حيث أورد أبو حيان التوحيدى " اجتمعنا عند عبد الملک بن مروان فقال : أى الآداب أغلب على الناس ؟ فقلنا فأکثرنا فى کل نوع ؛ فقال عبد الملک : ما الناس إلى شئ أحوج منهم إلى إقامة ألسنتهم التى بها يتعاورون القول ، ويتعاطون البيان ، ويتهادون الحکم ويستخرجون غوامض العلم من مخابئها ،ويجمعون ما تفرق منها ، إن الکلام فارق للحکم بين الخصوم ، وضياء يجلو ظلم الأغاليط ، وحاجة الناس إليه کحاجتهم إلى مواد الأغذية "([3]).
" فاللغة وسيلة اتصال وتواصل السياسى ، والمفکر ، والمثقف ، والفيلسوف ، والمعلم ، والباحث ، والقائد ، والطبيب ، والقاضى ، والشاهد ، والمصلح ، هى کلام الله للبشر ، وبلاغ الأنبياء ، والمنسوج المشترک بين هؤلاء جميعاً"([4]).
والمفترض فى المنتسب للغة العربية أن ينطق ويکتب بها سليمة وصحيحة وفق قواعدها وحدودها ؛ لأن دلالتها تتوقف على سلامتها فى النطق والکتابة ، وهذا يحتاج إلى توفر الإرادة ومدارسة اللغة فى مظاتها ، ويوضح أبو حيان التوحيدى الوسيلة التى يمکن للإنسان أن يتقن لغته ، حتى تُصبح له سجية ، ويصبح فيها کالشاعر يقرض الشعر بطبعه دون العودة إلى علم العروض حيث يقول " إن من يتکلم بالإعراب الصحة ولا يلحن ، ، ولا يخطئ ، ويجرى على السليقة الحميدة ، والضريبة السليمة ، قليل أو عزيز ، وإن الحاجة شديدة لمن عدم هذه السجية ، وهذا المنشأ إلى أن يتعلم النحو ، ويقف على أحکامه ، ويجرى على منهاجه ، و يفى بشروطه فى أسماء العرب ، وأفعالها ، وحروفها ، وموضوعاتها ، ومستعملاتها ، ومهملاتها ، ومتى اتفق إنسان بهذه الحلية ، وعلى هذا النّجار ، فلعمرى إنه غنى عن تطويل النحويين ، کما يستغنى قارض الشعر بالطبع عن علم العروض "([5]). ويوضح هذا ابن خلدون بقوله " إن حصول ملکة اللسان العربى إنما هو بکثرة الحفظ من کلام العرب ، حتى يرتسم فى خياله المنوال الذى نسجوا عليه تراکيبهم ؛ فينسج هو عليه ، ويتنزل بذلک منزلة من نشأ معهم ، وخالط عباراتهم فى کلامهم ، حتى حصلت له الملکة المستقرة فى العبارة عن المقاصد على نحو کلامهم"([6]).
ولا شک فى أن العصر والبيئة لهما أثرهما فى اللغة ، وفى دلالة ألفاظها على جهة الخصوص ، فاللغة تتأثر بحضارة المجتمع من حيث النظم والتقاليد ، والعادات والعقائد ، والاتجاهات ، والثقافة ، والأحوال الاجتماعية والاقتصادية والسياسية البيئية ، فکل تطور وتغير فى هذه الأمور يظهر صداه واضحاً فى أداة التعبير ، وهى اللغة ، فالمجتمع هو التربة الصالحة لنمو اللغة وحياتها فالإنسان يولد وهو مزود بأعضاء النطق، فإن لم يکن هناک مجتمع يزوده بالألفاظ ، ما تکلم بجملة ذات معنى، وعن ذلک يقول " روبنز " " فاللغة ببساطة تحقق وجودها من خلال الأفراد الذين يکونون جماعة لغوية ، والتغيرات اللغوية عبارة عن تغيرات فى عادات الأفراد الکلامية "([7]).
 

الكلمات الرئيسية