من بلاغة التمنى بـ (ليت) فى الذکر الحکيم

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

أستاذ البلاغة والنقد المساعد فى کلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بقنا ـ جامعة الأزهر

المستخلص

فإن المعانى التى نعدها من باب التمنى ذات طبيعة خاصة, لأنها من المعانى التى تتعلق بها القلوب, وتشتاق إليها النفوس, سواء أکانت مستحيلة, أم بعيدة, فالمتمنِّى يتعلق بها, ويشتد تعلقه حتى ينفلت من الواقع والممکن إلى الذى مضى وما لا يمکن, ويتعلق بالمستحيل, ويتشبث بخيوط الوهم, ويصير کالظمآن الذى لا يُروى أو يُستبعد ريُّه.
ووراء (ليت) فى أکثر مواقعها ظمأ لا يُروى, فهى تصف آمالاً حبيسة, ورغائب لا سبيل إلى تحقيقها, ولو کانت هذه الأمنيات ممکنة فإنها عند المتمنِّى وفى حس نفسه مما يبعد تحققها؛ لأنها من أشواق الروح وتطلعاتها التى لا تحدها حدود, فالتمنى يبث فيه المتمنِّى حاجات النفس ورغباتها, ويسکب فيه عبراته وأحزانه؛ ترويحا عن النفس وترجمة عما يجرى فى الخاطر.
وتجد هذا الأسلوب فى القرآن عظيم السلطان شديد السيطرة, فکثيراً ما نجده على ألسنة الکافرين يوم القيامة يبثون فيه أحزانهم, ويصور ندمهم وحسرتهم على فوات وقت الإيمان والعمل الصالح, وکثيرأ ما يکون مقروناً بأداة النداء (يا) ذات الصوت المديد الطويل الذى يتناسب مع طول حسرتهم وعمق ندمهم, ففى النداء والتمنى تجسيد لحسرة الکافر وندمه.
لهذا کان المقصود من هذه الدراسة, والدافع لهذا البحث؛ بيان دقائق التمنى فى الذکر الحکيم, وکشف الحجب عما فى (ليت) من لطائف وأسرار, وما تحدثه فى نسق التراکيب من إيحاءات, وما توحى به من أغراض فى الذکر الحکيم, وبخاصة أننى لم أجد أحدأ –على حد علمى- خص هذا الموضوع بدراسة فى الذکر الحکيم.
وتبرز أهمية الموضوع فى أن التمنى فى الذکر الحکيم ظاهرة تستحق الدراسة البلاغية, لأن طلب الممتنع: حديث نفس والهة تملکها الذهول واستبد بها اليأس, فاحتجب العقل والوعى, فلم تعد تفرق بين ما هو ممکن وما هو محال, ووراء ذلک إيحاءات ثرية تنمُّ عن نفس محطمة وآمال ضائعة, والبحث –إن شاء الله- يکشف عن هذه الإيحاءات, ويبين أسرارها, ومدى ارتباطها بنفوس أصحابها, والمقامات التى اقتضتها, بما يمثل إضافة فى مجال البحث البلاغى –إن شاء الله-.
هذا: وقد جاءت خطة هذا البحث: (من بلاغة التمنى بـ(ليت) فى الذکر الحکيم) على النحو التالى:
المقدمة: وفيها أهمية الموضوع, والدافع إليه.
المبحث الأول: (مفهوم التمنى وقيمته البلاغية), ويتضمن, تحرير مصطلح التمنى فى اللغة, وتحرير مصطلح التمنى عند البلاغيين, والفرق بين التمنى والترجى, والقيمة البلاغية للتمنى.
المبحث الثانى: (التمنى بـ(ليت) ومقاماته فى الذکر الحکيم), ويتضمن المحاور الآتية, أولاً: المتمنى المستحيل, ويشمل المقامات الآتية: التمنى فى مقام الندم على مخالفة الرسل واتّباع قرناء السوء, والتمنى فى مقام الندم على فوات الطاعة ووقتها, والتمنى فى مقام الندم على فوات المال وهلاکه, والتمنى فى مقام الندم على الکفر والمعصية, والتمنى فى مقام الخوف من القول الفاضح, والتمنى فى مقام الفرح بالمغفرة والتکريم, ثانياً: المتمنَّى الممکن المستبعد.
الخاتمة : وفيها: أهم نتائج البحث, ثم أهم المصادر والمراجع, ثم الفهرس.
        وينبغى أن نؤکد على أن المعالجة البلاغية للموضوعات القرآنية تتضاعف صعوبتها من حيث حاجتها إلى التناهى فى الدقة والالتزام؛ خشية أن يخط القلم ما تزل به القدم, کما أن القرآن الکريم کتاب الله المعجز , وهو الذى لا تفنى عجائبه, ولا تنقضى غرائبه, ولا يخلق على کثرة الرد, ولا يحيط بأسراره إلا العليم الخبير.
ومن هنا فلا أدعى لنفسى أننى بلغت فى بحثى هذا درجة الکمال, فالکمال لله وحده, ولکنى اجتهدت قدر طاقتى, والله أسأل أن يقيل عثراتى, ويغفر زلاتى, وهو الهادى إلى سواء السبيل.
(ربنا تقبل منا إنک أنت السميع العليم)
إبراهيم حسن أحمد
أستاذ البلاغة والنقد المساعد فى کلية الدراسات بقنا - جامعة الأزهر
 

الكلمات الرئيسية