صورة المرأة في شعر صدر الإسلام بين الحسية والعذرية دراسة موضوعية فنية

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

مدرس الأدب والنقد بکلية الدراسات الإسلامية والعربية بالإسکندرية

المستخلص

إن موضوع المرأة موضوع مهم ؛لأنها قيمة اجتماعية مهمة ، ويعکس النتاج الأدبي المتنوع في جوانب کثيرة منه  صورة المرأة ، ومن الضروري تناول هذه الصورة بالدرس والتحليل ؛لأنها تعکس الکثير من الواقع النفسي والاجتماعي في سياقاته التاريخية – سلباً وإيجاباً- مما يمکن معه الحوار والفهم الأمثل لتلافي السلبيات والتأکيد على الإيجابيات .
و" يمثل شعر المرأة في الأدب العربي حيزاً عظيما خَلَفَ في الإرث الشعري ثروة أدبية عظيمة فاقت کل ما خلفته فنون الشعر في غير المرأة, وهذا الإرث الشعري الذي يمثل تصوير المرأة منه ما هو قاصر على المرأة ، أو متصل بها بسبب ما ، کما يقاسم أغراض الشعر الأخرى وفنونه من فخر ومدح وهجاء ورثاء وهذه الأغراض لم تکن مقصودة أو متعمدة بل أحياناً ما کان يبعثها الحب والهوى ، ويثيرها الشوق والرغبة وتکمن خلفها "([1])
 
ولا تخفى على أحدٍ صورةُ المرأة في الأدب عامَّة، وفي الشعر خاصة، فالمرأة مُلهِمة الشُّعراء، وزينة القصائد، والتاريخ الأدبي خيرُ شاهدٍ على ذلک؛ فبنظرة عاجلةٍ على الشعر العربي في العصر الجاهلي لا تخطئ العينُ صورةَ المرأةِ البارزة والجليَّةِ في أشعارِ الجاهليِّين، ويکفي أنَّ ما من معلَّقة من المعلَّقات العشر - وهي أجود عشر قصائد في الشعر الجاهلي - إلا واستهلَّت بالحديث عن المرأة والوقوف على أطلالها المندَرِسة والبکاء على فراقها.
 وجاء الإسلامُ ولم يتخلَّ الشعراءُ کُلِيَّةً عن هذا المبدأ؛ فنرى المقدِّمات الطلليَّة والغزليَّة عند شعراء صدر الإسلام الذين عاصروا الرسول - صلى الله عليه وسلم  أمثال: حسان بن ثابت شاعر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وکعب بن مالک، وغيرهما، وتَذْکُر کتب السِّيرة قصةَ إسلامِ الشاعر کعب بن زهير بن أبي سُلْمَى، الذي أهدر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - دَمَه؛ بسبب هجائِه اللاَّذع للإسلام والمسلمين، ولمَّا جاء ليعلن إسلامه أمام النبي - صلى الله عليه وسلم - قال قصيدته الشهيرة التي استهلَّها بقوله:([2])





بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُولُ        مُتَيَّمٌ  إِثْرَهَا  لَمْ  يُفْدَ   مَکْبُولُ





واستطرد في استِهْلالِه حتَّى وصل للاعتذار للنبي - صلى الله عليه وسلم - عمَّا قاله في حق الإسلام والمسلمين:([3])





نُبِّئْتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ  أَوْعَدَنِي        والعَفْوُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ مَأْمُولُ





 
ثم تطوَّر الأمرُ بعد ذلک، ولم تَعُدِ المرأةُ يُستَهَلُّ بها القصائد فحسب، بل صارت تَحتَلُّ قصائدَ کاملة، وظهر شعراءُ لم يکتبوا شعرًا إلا في المرأة، بل ربما لم يکتبوا إلاَّ في امرأةٍ واحدةٍ، و صار شعرهم مقصورًا عليها، وأطلق مؤرخو الأدب على هذا اللون: "الشعر العذري"، وعلى شعرائه "الشعراء العذريِّين" وتميَّز هذا اللونُ من الشِّعر بتناول المرأة تناولاً معنويًّا، لا تناولاً حسيًّا.
ومن الواضح أن أغلب حضور المرأة في القصيدة العربية إنما هو  شعر الغزل المُنَزَهٌ عن الأغراض النفعية فهو يعد " أصدق فنون الشعر ؛إذ يتسم بصدق الأداء وصدق التعبير عن الوجدان وتصوير المشاعر والأحاسيس , حيث لم يکن الدافع وراءه ما دفع أصحاب المدح والوصف والهجاء والفخر – فهذه الأغراض غالباً ما يبعثها التملق – فتُحرم الصدق في المشاعر والحرارة في العاطفة والإخلاص في الوجدان ، وتأتي متکلفة المعاني باهتة الصور مصطنعة الأداء , ولا يصدر تصوير المرأة في الشعر عن مطمع مادي أو رغبة في مال أو عطاء ، خاصة العذري منه الذي لا يهدف صاحبه من نظمه إلى رغبة في متعة أو لقاء غير مشروع بل يصدر عن تعبير صادق وعاطفة صادقة ووجدان مخلص يبدو في التعبير وفي الأداء "([4])
ويدور الغزل اصطلاحاً ([5])حول تودد الشاعر إلى المرأة في محادثته معها, وبثه عواطف الحب نحو المحبوب ، وتختلف لهجة هذا الکلام باختلاف الأحوال . فهو أحياناً شکوى يعرض فيه الشاعر ما يصيبه من هجران المحبوبة أو دلالها ,وهو أيضاً تذلل واستعطاف غايتهما استدرار رضاها ، وهو تارة وصف لِلَذّات الهوى، وما يضفيه الوصال على جو الشاعر من حبور ونشوة .
ومن البديهي عندما نتحدث عن صورة المرأة عند شعراء صدر الإسلام أن نضع في الاعتبار الخصائص التي ميزت هؤلاء الشعراء عمن سبقهم , وألا نغفل دور الإسلام وأثره في تصورهم للمرأة وتصويرهم لها إذ بدت ملامح العفة على شعرهم وغلبت المسحة العذرية عليه  وهم بالإضافة إلى کل ذلک لا يعدمون محاکاة السابقين في رسم صور حسية اعتادوا عليها في عصرهم السابق
 
     وبالنظر في دواوين شعراء عصر صدر الإسلام يتضح أن أکثرهم قد ابتدأ بالغزل والحديث عن المرأة , وعلى الرغم من ذلک لم تنل المرأة في شعرهم حظاً کبيراً من الاهتمام إذا ما قورن بغيره من الأغراض  الشعرية في هذا العصر .
وقد جاء البحث في مقدمة وفصلين وخاتمة وثبت للمصادر و ثبت للموضوعات.
 الفصل الأول: صورة المرأة عند شعراء صدر الإسلام  بين الحسية والعذرية ويشتمل على مبحثين :
الأول : الصورة الحسية للمرأة في شعر صدر الإسلام .
الثاني : الصورة العذرية للمرأة في شعر صدر الإسلام .
الفصل الثاني : التشکيل الفني لصورة المرأة في شعر صدر الإسلام  .
وبعد فإني قد بذلت ما وفقني الله إليه ,وحسبي أني لم أدخر وسعاً من أجل استيفاء البحث لعناصره  فاللهَ اسأل التوفيق والسداد .


 

الكلمات الرئيسية