نداء النبى صلى الله عليه وسلم باسمه ( محمد ) فى صحيح البخاري مقاماته وأسراره البلاغية

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

مدرس البلاغة والنقد فى کلية البنات الإسلامية بأسيوط

المستخلص

فقد اعتنى علماؤنا القدماء والمحدثون بالنداء عناية فائقة، شأنه في ذلک شأن الظواهر اللغوية الأخرى، وهو أسلوب تتعانق فيه أرکان النداء لتلعب دوراً أساسياً في عملية الاتصال بين المتکلم والمخاطب، ولکل رکن من أرکانه بلاغته المرتبطة بمقام الکلام والغرض منه في کل جملة، فهو أسلوب بلاغي ذو طبيعة لغوية خاصة؛ لأن المتکلم فيه ليس مجرد مرسل لأدوات النداء فقط ، وإنما هو يعبر عن مشاعره وأفکاره تعبيراً مؤثراً يرتبط بأحوال المخاطب قرباً وبعداً ومنزلة ، فهو بذلک لون من الخطاب يرتبط بأغراضه المتنوعة ، وطرق أدائه الکامنة في استخداماته المختلفة.       
ولا يمکننا الکشف عن أسرار هذا الأسلوب بمعزل عن دراسته في النصوص المختلفة ، واستخراج طرائق استعماله المتنوعة في الکلام البليغ.
        والناظر في الحديث النبوي الشريف يجد أنه يذخر بأساليب النداء المتنوعة، سواء منها ما کان نداءً من النبي e، أو نداءً له : من الله تعالى، أو غيره من الملائکة أو الأنبياء أو الصحابة من قرابته أو من غيرهم أو الأعراب أو الکفار أو أهل الکتاب ، وقد ارتبط نداء کل منهم بنفسيته، وطبيعة تکوينه، ودرجة قربه من النبيe أو بعده، وسياق الکلام ومقامه، وقصد المنادى ونيته ، وکل کلام مهما کانت طبيعته يرتبط بالنية والقصد والمقام شعراً کان أم نثراً.([1])  
        ويطرح هذا البحث قضية نداء النبيe باسمه العلم (محمد) في الحديث النبوي لبيان أثر اختيار لفظ المنادى في بيان الغرض البلاغي للنداء، ويتبع ذلک أن يتناول البحث ما تشتمل عليه الجملة الندائية من معانٍ، وبيان ارتباط ذلک کله بالنظم الوارد.
        وقد کان من منهج شُرَّاح الحديث عند ورود نداء للنبيe أن يذکروه ، أو يشيروا إلى وروده  بروايات أخرى فقط دون أن يدرسوا أسراره البلاغية المتنوعة، ولم يکونوا مطالبين بذلک ، فهذا ليس عملهم بالأساس ، کما وجدتهم لا يفرقون بين ندائه e في الحديث النبوي الشريف بالاسم العلم في بعض المواضع ، وبين ندائه بالکنية أو بأوصافه المختلفة في البعض الآخر، ولا يذکرون سبب اختيار لفظ المنادى دون غيره في هذا السياق أو ذاک ، وقد ذکر بعضهم " أن الألفاظ التي کان النبيe يخاطب بها: يا محمد، يا أبا القاسم، يا رسول الله ، والأدب بل الأحسن أن يخاطب بـ(يا رسول الله)" ([2])  ولم يزد شراح الحديث على ذلک فيما وجدوه من نداء النبيe في الأحاديث المختلفة ، فکان ذلک إشارة هامة دفعتني إلى دراسة  موضوع نداء النبي e باسمه (محمد) في الحديث الشريف وبيان الوجوه البلاغية لمثل هذا النداء.
       يضاف إلى ذلک أن النداء عنصر مهم من عناصر الخطاب النبوي ، وسر من أسرار بلاغته e ، کما أن الخطاب الموجه للنبي e في الأحاديث النبوية بهذه المثابة من البلاغة والدقة والإحکام والقصد والاختيار، وهو مصور لطبيعة وسمت الکلام الأول الوارد على ألسنة رواة الحديث من صحابة رسول الله e ، وهو مظهر بارز من مظاهر البلاغة في الحديث النبوي الشريف.
       کان کل هذا دافعاً لي إلى جمع الشواهد التي ورد فيها نداؤه e بالاسم (محمد) لدراستها دراسة متأنية؛ لبيان الوجه فيها؛ ذاکراً مدى ملاءمة کل نداء للسياق الوارد فيه، مع إيراد الأدلة والبراهين التي تقوي ذلک وترجحه.
        وقد نودى النبي e في الحديث الشريف بهذا النداء في سياقات متنوعة، تم تحديدها في هذا البحث بدقة تامة من خلال أحد أهم کتب الصحاح وهو کتاب(الجامع الصحيح للبخاري) وذلک لأن البخاري أول من صنف في الصحيح، ولم يخرج فيه إلا ما صح عنده ، وما ترکه من الصحيح کان أکثر، وکتابه أصح الکتب بعد کتاب الله تعالى، وقد ذکر ابن خلدون نقلاً عن أشياخه " أن شرح کتاب البخاري دين على الأمة، يعنون أن أحداً من العلماء لم يُوفِ ما يجب له من الشرح ".([3])
        وقد تعددت الدراسات التي تناولت بلاغة الأسلوب الإنشائي في الحديث النبوي، فکان منها: الأساليب الإنشائية غير الطلبية في أحاديث رياض الصالحين للنووي([4]) وأسلوب الاستفهام في الأحاديث
النبوية([5]) وبلاغة أسلوب القسم في الحديث النبوي الشريف([6])وغير ذلک.  
        وجميع هذه الدراسات ذات قيمة في بابها لکنها لم تتناول موضوع البحث من قريب ولا بعيد، ولم أجد فيما قرأت دراسة تناولت هذا الجانب في حديث رسول الله e من الناحية البلاغية أو اقتربت منه، اللهم إلا ما وجدته من دراسة لأحد الباحثين عنوانها: نداء النبي بأوصافه في الذکر الحکيم مقاماته وأسراره البلاغية([7]) إلا أنها لم تشر إلى وجوه نداء النبيe باسمه في الحديث النبوي الشريف بأي إشارة لکونها غير معنية بذلک أصلاً ، ولانصبابها على نداء الصفة أو اللقب في القرآن الکريم دون سواه.
وقد جاء هذا البحث تحت عنوان :
" نداء النبي e باسمه (محمد) في صحيح البخاري مقاماته وأسراره البلاغية ".
واقتضت طبيعة البحث أن يتکون من ثلاثة مباحث تسبقها مقدمة وتمهيد وتعقبها الخاتمة والفهارس.
أما المقدمة فاشتملت على بيان الفائدة المرجوة من دراسة الموضوع وأسباب الإقدام عليه، وخطته ، ومنهجه .

الكلمات الرئيسية