من بلاغة اختلاف الرواية في الحديث النبوي وأثر ذلک في إثراء المعنى

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

الأستاذ المساعد بکلية اللغة العربية بجرجا

المستخلص

فغني عن البيان: أن الله –سبحانه وتعالى- خص نبيه محمد –صلى الله عليه وسلم- بجملة من الخصائص ، من أهمها ، أنه أوتي جوامع الکلم وخواتمه وفواتحه ، واختصر له الکلام اختصارا ، فجمع له المعاني الکثيرة في ألفاظ يسيرة ، وجعل ذلک من أدلة نبوته ، وأعلام رسالته ؛ ليسهل على السامعين حفظه ، ولا يشق عليهم حمله وتبليغه ، وکل هذا من الحفظ الذي تکفل الله به لهذا الدين. فقد ورد في الصحيحين من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-، أنه قال:"سمعت رسول الله-صلى الله عليه وسلم-يقول:بعثت بجوامع الکلم ، ونصرت بالرعب ، وبينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض ، فوضعت في يدي([1])".
أضف إلي ذلک : أن کلامه – صلى الله عليه وسلم- بلغ الذروة من البلاغة، ولا يرتفع فوقه في هذا السباق إلا کتاب الله –سبحانه وتعالى-، ولم يسمع الناس قط بکلام أعم نفعا ، ولا أقصر لفظا ، ولا أفصح معنى من کلامه –صلى الله عليه وسلم- ، حتى قال له علي بن أبي طالب- کرم الله وجهه- عندما سمعه يخاطب وفد بني فهد: يا رسول الله ، نحن بنو أب واحد ، ونراک تکلم وفود العرب بما لا نفهم أکثره ، فقال: أدبني ربي فأحسن تأديبي وربيت في بني سعد([2]) "، فکان –صلى الله عليه وسلم – يخاطب العرب على اختلاف شعوبهم وقبائلهم وتباين بطونهم وأفخاذهم وفصائلهم ،کلا منهم بما يفهمون،ويحادثهم بما يعلمون،ولهذا قال:"أمرت أن أخاطب الناس على قدرعقولهم([3]) "، فکأن الله – عز وجل- قد أعلمه ما لم يکن يعلمه غيره من بني أبيه ، وجمع فيه من المعارف ما تفرق ، ولم يوجد في قاصي العرب ودانيهم ، وکان أصحابه – رضي الله عنهم-، ومن يَفِدُ عليه من العرب يعرفون أکثر ما يقوله وما جهلوه سألوه عنه فيوضحه لهم ، واستمر عصره – صلى الله عليه وسلم- إلي حين وفاته على هذا السنن المستقيم([4]).
من أجل هذا وذاک کثرت الدراسات البلاغية حول الحديث النبوي، فأرادت هذه الدراسة أن ترتشف قطرة من هذا البحر الذي اتسعت سواحله وتشعبت شواطئه وکثرت مياهه ، فجاءت هذه القطرة تحت عنوان :"دراسات جديدة في بلاغة الحديث النبوي " اختلاف الرواية وأثرها في تغيير المعنى".
ومما لا شک فيه أن اختلاف الرواية في الحديث النبوي ، باب واسع جدا ، متشعب المسالک ، واسع الدروب ، يحتاج إلي مئات الأبحاث، فأرادت هذه الدراسة أن تکون بمثابة الشمعة المضيئة لمن أراد أن يسير في هذا الطريق ، فاختارت أربعة سياقات فقط ؛ لتقيم عليها الدراسة.
وقد سارت هذه الدراسة على منهج هو کالآتي:
أولا:اختارت صحيح مسلم ؛ لإجماع علماء الأمة من السلف والخلف على صحته ، ولما يمتاز به من جمع طرق الحديث في موضع واحد بأسانيده المتعددة ، ودقته المتناهية في إثبات ألفاظ الروايات مما يؤهله لأن يکون أنسب المظان للدراسة البلاغية في النص النبوي.
ثانيا:اختارت من روايات مسلم ، روايتين فقط  وسلطت عليهما الضوء ، ولم تتعرض لکل الروايات؛ لعمق وثراء الأساليب النبوية التي لا ينقطع مددها؛ فکلما قلبت وجوهها ظهرت لک معاني أخرى، مما کان يتطلب الوقوف کثيرا أمام کل رواية لتظهر المعاني البلاغية المترتبة على کل رواية  ، لما في ذلک من تشتيت لذهن القارئ من کثرة الروايات ، وبخاصة إذا علمنا أن صحيح مسلم قد يورد في بعض الأحيان أکثر من عشرة روايات للحديث الواحد ، مما کان يصعب على هذه الدراسة أن تتکشف على معاني کل هذه الروايات.
ثالثا:اختلاف الرواية شمل کلام الراوي ، وکلام رسول الله-صلى الله عليه وسلم- ؛لتکمل الفائدة المرجوة من وراء هذه الدراسة.
رابعا:ذکرت المعنى العام للروايتين.
خامسا:سلطت الدراسة الضوء على کل الألوان البلاغية التي ترتبت علي اختلاف الروايتين ، ولم تقتصر على بعض الألوان دون بعض ؛ لتکتمل معاني الحديث وبلاغته عند القارئ ، بالإضافة إلي أن هذه الألوان البلاغية يکمل بعضها بعضا.
سادسا:بينت المعنى المترتب علي کل رواية من الروايتين ، وتوقفت عند اختيار الألفاظ ، وهل يمکن الجمع بين الروايتين أم لا ؟.
سابعا:اعتمدت في ترتيب السياقات على حسب وردوها في صحيح مسلم.
ثامنا:تخريج الآيات القرآنية ، والأحاديث النبوية ، والأبيات الشعرية ، وعزو النصوص إلي أصحابها.
تاسعا: ضبط الآيات القرآنية ، والأحاديث النبوية بالشکل ، من باب إتمام الفائدة لدى القارئ.
وقد جاءت هذه الدراسة في مقدمة وتمهيد وأربعة محاور وخاتمة ، وفهرس للمصادر والمراجع ، وآخر للموضوعات.
فأما المقدمة: فبينت فيها  أهمية الموضوع ، ومنهج البحث وخطته.
وأما التمهيد:فتضمن العناصر التالية:
1-    ما المقصود بالاختلاف ؟.
2-    تعريف الرواية وشروطها.
3-    أسباب اختلاف الرواية.
وأما المحور الأول فجاء بعنوان:اختلاف الرواية في سياق بيان الإيمان والإسلام والإحسان.
المحور الثاني جاء بعنوان:اختلاف الرواية في سياق بيان کون الإيمان بالله –تعالى-أفضل الأعمال.
المحور الثالث جاء بعنوان :اختلاف الرواية في سياق بيان تفاضل الإسلام وأي أموره أفضل.
المحور الرابع جاء بعنوان: اختلاف الرواية في سياق رؤية الله –سبحانه وتعالى- يوم القيامة.
وأما الخاتمة : ففيها أهم النتائج التي تمخضت عنها هذه الدراسة.
وبعد: فهذه قطرة من بلاغته –صلى الله عليه وسلم- ، تناولت الوقوف على أثر اختلاف الرواية في توجيه المعنى ، وتغاير الأسلوب البلاغي ، إن صح استنباطي للمعاني فيها ، فهذا من توفيق الله وعونه، وإن کانت الأخرى ، فأعتذر أولا إلي  سيدي وحبيبي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، واسأل الله –ثانيا-أن لا يحرمنا شفاعته ، والورد على حوضه، والشرب من يده الشريفة شربة لا نظمأ بعدها أبدا ، إنه ولي ذلک والقادر عليه.
 
 

الكلمات الرئيسية