العلل الصرفية في کتاب المقتصد في شرح التکملة لعبد القاهر الجرجاني المتوفى سنة471هـ

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

المدرس في قسم اللغويات بکلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بسوهاج

المستخلص

 علما النحو والصرف کغيرهما من العلوم الإنسانية يخضعان للقوانين العقلية بالدرجة الأولى؛ فهما إذا يخضعان للاستقراء والاستنباط والقياس ،الأمر الذي يفتح أمام الباحثين أبوابا عديدة للاختبار والتجريب والحکم والتعليل ومن هنا حَـرصَ علماء العَرَبيّـةِ على تفسيـرِ الظّـاهرة التّرکيـبيّةِ المـوجـودة في لغَـةِ العَـربِ تفسيـراً دقيـقاً ، فاستَعملوا جُملةً منْ الأصولِ الفلسفيّةِ العلمية لِتساعدَهم في الوُصُولِ إلى نَظرةٍ دقيقةٍ في هذه التراکيبِ، وهـذه الأصـولُ مَوجـودةٌ في غيْـرِ النّحـو والصرف منْ علومِ العَربِ ، منها القيـاسُ والتّـأويلُ وهمـا منْ مصطلحاتِ الفقهِ والتّفسيرِ .
ومن الأصـولِ الفلسفـيّةِ العلـمية العلّـةُ ، فهي إمعـانُ النّـظرِ المنطقـيّ الـذي يسـاعدُ في الکشـفِ عن الأسـرارِ الذّهنـيّةِ للتّـراکيـبِ النّحويّـة والأحکام الصرفية ، ومنْ ثَـمّ تساعـدُ في الوصـولِ إلى تفسيـرٍ عقـليٍّ للترکيـبِ ،وقد سارَ العلماء على طريـق استخـدامِ العلّـةِ في التفسيـرِ کَما هـو حالُ غيرِهم من الفقـهاءِ والمفسّـرين ، ولَمْ يَخرجْ أَحَـدٌ منْ العلماء على هذا النّهـجِ إلاّ عُلَمـاءُ مَعـدودون کابن مضـاء القرطـبي الذي صـرّحَ برفض العـلل الثّوانِي والثّوالث ، أمّا العلـلُ الأُولُ فَأخَـذَ بِها وهذا موضــوعٌ يکــشـفُ عن القُـدرة العَقْـلـيّةِ التي کـانَ يَتَـمتّـعُ بِـها عُلـماؤنا ، ومن هنا جاءت أهمية البحث،وقد آثرت البحث عن هذه الظاهرة في کتاب المقتصد في شرح التکملة لعبد القاهر الجرجاني لما يأتي:-
 
1-   اهتمام عبد القاهر الجرجاني بالتعليل ليس في مسائل النحو والصرف فحسب بل تعداهما إلى البلاغة والمعاني أيضا، حتى دفعه اهتمامه الکبير به إلى أنْ قال فيمن لا يرى من النظم إلا الإعراب الظاهر : " إِنَّ منَ الآفَةِ أيضاً مَنْ زَعَمَ أنَّه لا سبيلَ إِلى معرفةِ العِلَّةِ في قليلِ ما تُعْرَفُ المزيّةُ فيه وکثيرِه ، وأنْ ليس إِلا أنْ تعلمَ أنَّ هذا التقديمَ وهذا التنکيرَ ، أو هذا العَطْفَ أو هذا الفَصْلَ ، حَسَنٌ ، وأنَّ له مَوْقِعَاً من النَفْسِ وحَظّاً من القَبولِ . فأمّا أنْ تَعْلَمَ (لِمَ کان کذلک ، وما السَّببُ ؟) فممَّا لا سبيلَ إِليه ، ولا مَطمعَ في الاطِّلاعِ عليه ، فهو بتوانِيه والکسلِ فيه  في حُکمِ مَن قالَ ذلک([1])"0
2-    المقتصد في شرح التکملة للجرجاني، فکما نعلم ألّف  أبو علي الفارسي –رحمه الله- کتاباً مختصراً في الصرف في منتصف القرن الرابع الهجري، أُحتيجَ معه الى الشرح والتيسير، فانکبّ عليه ذوو الدراية يشرحونه وييسرونه للمتعلمين، اِلاّ أن شرح الجرجاني کان الأول في کل شيء، في اِحتوائه المادة العلمية، زيادة على تذييل الحکم الصرفي بالکثير من آراء العلماء، على مختلف المذاهب والعصور ، مع عقد المقابلة بينها غالباً، واِستخلاص الرأي المناسب من ذلک کلّه، زيادة على ذلک أن الجرجاني لم يکتفِ بالشرح والتعليق فقط، وإنما تعداهما إلى الاستدراک على  أبي علي  ما فاته، فکان بحق سجلاً ضخماً جامعاً لأغلب آراء العلماء وعللهم في المسألة الواحدة.
3-   ما تميز به الجرجاني من قوة الإرادة وعلو الهمة ،وقد دفعه هذا إلى دراسة علم  النحو والتبحر فيه والتعمق في معرفة أسراره، ولاسيّما وهو المحقق المبدع الذي کان ينساب انسياباً هيّناً في الموضوعات التي يطرقها، تدعوه إلى ذلک عقليته المتفتّحة المستوعبة لمختلف أنواع المعرفة، فکان على دراية في علم الکلام والمنطق، وعالماً في النحو والصرف والبلاغة، بإمضاء غير واحد من علماء العربية.
وقد اقتضت طبيعة الموضوع أن يقسم إلى مقدمة  وتمهيد وفصلين وخاتمة.
تحدثت في المقدمة عن أهمية الموضوع وسبب اختياره وخطة البحث فيه ،وقسمت  التمهيد إلى مطلبين :-
الأول:-عبد القاهر الجرجاني وحياته.
الثاني :-العلة ونشأتها وتطورها وأقسامها
 ومما يجب ملاحظته هنا أنني حين أتحدث عن نشأة العلة وتطورها فإنني أقصد العلة النحوية والصرفية معا ؛وذلک لأن علم النحو والصرف کانا في القرون الأولى متداخلين آخذا بعضهما بحجز الآخر لقرب الوشيجة بينهما في الغرض والمقصد وکانت مباحث الصرف في طي کتب النحو وعم الأمرين اسم النحو ،واستمر هذا الاندماج طويلا من الزمن ؛ولذا عرف بعضهم النحو بأنه:"علم يعرف به أحوال الکلم العربية إفرادا وترکيبا ليشمل الأمرين ،ولا ريب أن للصرف قرابته الدنيا بالنحو وکان التصريف ما لبث مندسا في علم النحو ،فإن کتاب سيبويه قد جمع بين الفنين ثم أخذت هذه الفروع  بعد ذلک يمتاز بعضها عن بعض في البحث والتدوين .
وأما الفصل الأول:- فهو أکبر الفصلين وأکثرهما لاحتوائه على مادة العلل الصرفية ، فقمت فيه بدراسة بعض مسائل التعليل عنده . وذلک  بعرضها وتحليلها ودراستها، وقد التزمت في ترتيب مسائل  التعليل بترتيب الجرجانى تمامًا مع إحداث بعض التعديل. فوردت تعليلات لمسائل في باب التقاء الساکنين والوقف والنسب والمذکر والمؤنث والجموع والتصغير والمجرد والمزيد من الأسماء والأفعال والإدغام.
وأما الفصل الثاني فتحدثت فيه عن أنواع العلة وسما تها عند الجرجاني.
وذکرت في الخاتمة أهم النتائج التي توصلت إليها.
 

الكلمات الرئيسية