نفائس اللؤلؤ والمرجان في إعراب لمحلات من سورة آل عمران تأليف الشيخ /عبدالبر بن عبدالقادر الفيومي المتوفى سنة(1071هـ). دراسة وتحقيق

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

أستاذ اللغويات المساعد في کلية البنات الإسلامية بأسيوط

المستخلص

فمما لاشک فيه أن الدراسات القرآنية أثبتت جدِّها وجدِّيتها ، وأتت بما هو مفيد ونافع، کما أنها أثرت الحياة العلمية على مر العصور، ولهذا نجد الکثير من العلماء ولٌّوا وجوههم شطر القرآن الکريم، مابين مفسر، ومبين للمعاني، ومعرب للألفاظ ،ومستخرج لمواطن المعاني والبيان، ومستنبط للأحکام ،کل بقدر جهده وطاقته ، فهذا مطول ،وهذا مختصر، وهذا شارح وهذا محش ،وهذا معلق،وهذا ملتقط لبعض الدرر، وخلال رحلتي مع التحقيق العلمي لکتب التراث وقفت على کتاب(نفائس اللؤلؤ والمرجان في إعراب لمحلات من سورة آل عمران) تأليف الشيخ عبد البر الفيوم المتوفى سنة إحدى وسبعين وألف ( 1071هـ )، وهو عبارة عن کتيب صغير تعرض فيه الشيخ لإعراب بعض الآيات من سورة آل عمران، کما تعرض لتوجيه القراءات في الآيات التي اختارها.
وهذه الآيات بدأت بقوله تعالى:{إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِکَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُکِ بِکَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ* وَيُکَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَکَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ}.([1])
وقوله تعالى:{ قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَکُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ کَذَلِکِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ کُن فَيَکُونُ}.([2])
وقوله تعالى: { وَيُعَلِّمُهُ الْکِتَابَ وَالْحِکْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ َالإِنجِيلَ * وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُکُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّکُمْ  أَنِّي أَخْلُقُ لَکُم مِّنَ الطِّينِ کَهَيْئَةِ الطَّيْرِ}.([3])
 وقوله تعالى:{وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ...}.([4])
وقوله تعالى: وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْکِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاکْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَکُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوکُمْ عِندَ رَبِّکُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }.([5])
يقول عنها الشيخ عبدالبر الفيومي([6]):"..وجدتها روضة ذات أفنان ، حوت کل أسلوب بليغ جليل ...، فکن لتوجيه إعرابها متأملاً ومحدقاً ، فقد احتارت فيها عقول أولي الألباب لا من جهة  المعنى ، بل من جهة الإعراب ، بحيث قال صاحب الکشاف ([7]): وهو من المضائق التي فيها إشکال ، فانظر إلى هذا الکلام من فارس هذا المجال ، لکني أردت تحري الوجوه المقبولة في هذا المقام والتنبيه على بعض ما ردَّه أرباب الکلام ؛ لتحصل به الإفادة ، وتکون سبباً للحسنى وزيادة لمن وقف عليها ، وجعل انتهاء سيره إليها، جعلها الله لوجهه الکريم مخلصة ، وجعل ذنوبنا لمحض إحسانه ممحصة فإنه ولي النعم ، ومزيل النقم... "
      وسبقه إلى هذا الوصف أبو جعفر النحاس حيث قال: ([8]). هذه الآيات من أشکل ما في هذه السورة ، أما الواحدي فقال([9]): وهذه الآيات من مشکلات القرآن وأصعبهِ تفسيراً ، ولقد تدبَّرْتُ أقوال أهل التفسير والمعاني في هذه الآية ، فلم أَجِدْ قولاً يَطَّرِدُ في هذه الآية من أولِها إلى آخِرها مع بيان المعنى وصحة النظم.إلى غير ذلک من أقوال العلماء".
ولم يتعرض الشيخ عبد البر الفيومي لإعراب الآيات کاملة ، بل تعرض لإعراب جزيئات منها على نحو: قوله تعالى :{ وَيُعَلِّمُهُ الْکِتَابَ}  والجدل الکبير في بداية هذه الجملة بالواو ، وهل هي واو العطف أم واو الاستئناف ؟
وإذا کانت واو العطف، فعلام عطف الکلام بعدها؟ أعلى قوله تعالى :{ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُکِ}( أم على قوله تعالى:{ وَجِيهًا } أم على قوله تعالى: {وَيُکَلِّمُ النَّاسَ}أم على قوله تعالى: { يَخْلُقُ مَا يَشَاء} إلى غير ذلک ،وکل هذه الاحتمالات هل تتماشى مع القراءتين الواردتين في الآية الکريمة وهما: { وَيُعَلِّمُهُ}- بالياء-،{ وَنُعَلِّمُهُ }- بالنون- وخاصة في عطف {وَيُعَلِّمُهُ} بالياء على قوله تعالى:{نوحيه}،لما في ذلک من اختلاف الضمائر، والذي يسميه البلاغيون بالاتفات، أو التفات الضمائر، کل ذلک وغيره کثير ذکر في احتمال العطف .
أما إذا کانت مستأتفة فهل لأنها بداية جملة، وما معنى تصدرها بالواو؟ أم لأنها معطوفة على جملة لا محل لها من الإعراب کقوله تعالى:{کَذَلِکِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء}.
      والحال کذلک مع قوله تعالى : {ورسولاً إلى بني إسرائيل} حيث توقف إعراب{ رسولاً} على معرفة اشتقاقها، أهي وصف بمعنى المرسل أم مصدر بمعنى الرسالة ؟ حيث ذکر على الاحتمال الأول فقط ستة أوجه من الإعراب، بخلاف ما ذکر على احتمال الوجه الثاني من وجوه آخرى  کنصب رسول معها هل لأنه مفعول به أم حال ؟ إلى غير ذلک .
      والحال کذلک مع قوله تعالى: {ومصدقاً} ، وقوله تعالى : {أني قد جئتکم} وقوله تعالى :{ أن يؤتى أحد } .
      والقراءات الواردة في کسر همزة "إن" وفتحها ، وما يترتب على ذلک من الخلاف في محلها الإعرابي بعد حذف حرف الجر ، والأصل : "بأني" أهي في موضع جر أم نصب والخلاف المشهور في ذلک بين الخليل وسيبويه.
       هذا بجانب وجوه آخرى ذکرت في إعراب {أن يؤتى} وصلت إلى أکثر من اثني عشر وجهاً من الإعراب فهذا الجزء من هذه الآية يعد بحثًاً مستقلاً .
      ثم يأتي الحديث بعد ذلک عن تنکير  لفظ "أحد" ، وعلى أي شيء يدل تنکيره ؟ وهل هو أحد الملازم للنفي أم له أن يقع في الإيجاب؛ لأنه بمعنى واحد ؟ وما الفرق بينهما ؟ إلى غير ذلک مما تضمنه المخطوط من آيات کثر فيها الحديث ، والجدل.
      والکتاب بهذه الصورة يعد إضافة للمکتبة العربية عامة، والنحوية خاصة . فلهذا وغيره عزمت على تحقيق الکتاب ،وإخراجه إلى عالم النور.
      وقد اقتضت طبيعة البحث أن يأتي في: قسمين تسبقهما مقدمة، وتتبعهما خاتمة وفهرسان .
أماالمقدمة: فتناولت فيها أهمية الموضوع، والدافع لاختياره، والخطة التي اتبعتها في البحث.
أما القسم الأول: فجعلته في مبحثين:
المبحث الأول: فـ عبد البر الفيومي (حياته ونشأته) ويشتمل على:
نسبه- مولده ونشأته- أخلاقه وصفاته- شيوخه- تلاميذه- مؤلفاته- شعره- وفاته.
وأما المبحث الثاني: فالتعريف بالکتاب، ويشتمل على:
اسم الکتاب – توثيق نسبته إلى مؤلفه – مصادره- وصف المخطوط- الغرض من تأليف الکتاب – أهمية الکتاب –  المآخذ على الکتاب- منهجي في التحقيق-نماذج مصورة من المخطوط0
أما القسم الثاني: فجعلته للنص المحقق،وأتبعته بخاتمة تحدثت فيها عن أهم النتائج التي توصلت إليها في هذا البحث.
      وأخيراً ذيلت البحث بفهرس لأهم المصادر والمراجع ،وآخر لموضوعات البحث.
وبهذا ينتهي البحث بعد رحلة قضيتها مع  تراث  أجدادنا الأفاضل مخطوطة کانت أو مطبوعة، فإن أکن وفقت فهذا من فضل الله تعالى ، وإن تکن الأخرى فالکمال المطلق لله تعالى وحده، والعصمة لأنبيائه، وحسبي أنني اجتهد والله من وراء القصد، فإنه نعم المولى ونعم النصير.
 
 
المحقق
د/ رضى رمضان محمد محمد
أستاذ اللغويات المساعد في کلية البنات الإسلامية بأسيوط



 

الكلمات الرئيسية