قصيدة المتنبى (الرفق بالجانى عتاب) رؤية بلاغية نقدية

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

مدرس البلاغة والنقد فى جامعة الأزهر

المستخلص

فإن تفقد الأبنية الشعرية ودراستها دراسة بلاغية تذوقية من مقاصد العمل البلاغى، وعليه ، فالشعر معدن البلاغة، وعليه المعول فيها، فهو "مجنى ثمر العقول والألباب، ومجتمع فِرَق الآداب ، والذى قيد على الناس المعانى الشريفة، وأفادهم الفوائد الجليلة، وترسل بين الماضى والغابر ينقل مکارم الأخلاق إلى الولد عن الوالد، ويؤدى ودائع الشرف عن الغائب إلى الشاهد حتى ترى به آثار الماضين مخلدة فى الباقين، وعقول الأولين مردودة فى الآخرين، وترى لکل من رام الأدب وابتغى الشرف وطلب محاسن القول والفعل منارا مرفوعا وَعَلَما منصوبا وهاديا مرشدا ومعلِّما مسددا، وتجد فيه للنائى عن طلب المآثر والزاهد فى اکتساب المحامد داعيا ومحرضا، وباعثا ومحضضا، ومذکرا ومعرفا، وواعظا ومثقفا.."([1])
والناظر فى التعبيرات الجيدة، والأساليب الراقية يدرک مواطن الجمال بها، فينموا بذلک ذوقه، وترقى أحاسيسه، وتسمو مشاعره.
والمتنبي أحد أئمة البيان فى عصور العربية، يقول عنه أبو منصور الثعالبى: "هو نادرة الفلک، وواسطة عقد الدهر فى صناعة الشعر"([2])، ومکانته بين شعراء العرب عالية، فهو ثالث ثلاثة أشاد بهم النقاد فى العصر العباسى، وقال عنهم ابن الأثير: أبو تمام والبحترى والمتنبى هم الذين ظهرت على أيديهم حسنات الشعر ومستحسناته، وجمعت بين الأمثال السائرة وحکمة الحکماء، وقد حوت أشعارهم غرابة المحدثين إلى فصاحة القدماء،...، وعلى الحقيقة فإن المتنبى خاتم الشعراء، ومهما وصف فهو فوق الوصف، وفوق الإطراء([3])
وقال عنه الشيخ/ محمود شاکر: "شاعر فذ من شعراء العربية لم يرزق الشعر ولا الحکمة مثله ذا لسان وبيان ألا وهو أبو الطيب المتنبى واحد الشعراء الذى جاء فملأ الدنيا وشغل الناس"([4])
ومن هنا تأتى أهمية هذه الدراسة: (قصيدة المتنبى ـ الرفق بالجانى عتاب ـ رؤية بلاغية نقدية) فمما لا شک فيه أن توجيه دارس البلاغة نحو النصوص السامية، والتعبيرات الراقية ليتعرف فى ضوئها على مسائل البلاغة فيه إثراء للشواهد البلاغية، وإصلاح للدرس البلاغى.
أما عن سبب اختيار هذه القصيدة (ترفق أيها المولى عليهم) فلأنها أولا من درر المتنبى المشرقة المتلألئة فى تاج سيف الدولة الحمدانى، والمتنبى "يعرف يقينا بصر صاحبه سيف الدولة بالأدب والشعر، فحمله ذلک على الإجادة والتبصر وتقليب المعانى واختيارها، واختيار أثوابها من الألفاظ واجتبائها، وکان ذلک من أبى الطيب؛ لما فى نفسه من الکبرياء والعظمة؛ إذ لو لم يفعل ذلک لعلا عليه فى نظر سيف الدولة رجل غيره من الشعراء، أو لسواه به، وصاحبنا هذا لا يرضى بأن يسبقه إلى سيف الدولة غيره من الشعراء فهل يرضى بالمساواة..."([5])
وثانيا: لأن هذه القصيدة فيها من الأغراض ما اختص المتنبى بالإجادة فيه ففيها المدح والوصف والحکمة، ومدح المتنبى لسيف الدولة لم يکن لغرض التکسب بالشعر وأکل الخبز من قوافيه ومعانيه، وإنما صدر عن حب صادق، فقد وجد المتنبى "آماله فى آمال سيف الدولة، وآراءه فى آرائه، وعواطفه فى عواطفه، فألقى فى مدح الرجل کل نفسه وآرائه وأفکاره وعواطفه، وألغى ذکر نفسه، وراح يمدح الرجل ويصفه، ويصف حروبه وغزواته بأبدع ما أتى به من البيان([6])
وهذه القصيدة وصف فيها المتنبى معرکة حربية بين سيف الدولة وبنى کلاب بعد أن شاهدها شأن المراسلين الحربيين فى الجيوش الحديثة، والمتنبى کما يقول ابن الأثير([7]): اختص بالإبداع فى وصف مواقف القتال، فإذا خاض فى وصف معرکة کان لسانه أمضى من نصالها، وأشجع من أبطالها، وقامت أقواله للسامع مقام أفعالها.
أما حکمة المتنبى فهى مبثوثة فى تلک القصيدة، نابعة عن أصالة، وناتجة عن تجربة وخبرة، ومن هنا ترددت على کل لسان، واستقرت فى النفوس مرتاحة إليها ضنينة بها، وليس لأبى الطيب مثيل فى هذا اللون من الشعر فقد "حظى فى شعره بالحکم والأمثال"([8]).
ومن هنا يأتى سبب اختيار هذه القصيدة؛ فقد حوت مدحا لسيف الدولة بما فيه من صدق العاطفة، ووصفا للقتال الذى اختص المتنبى بالإبداع فيه، وحِکَمًا حظى بها شعر المتنبى، هذا فضلا عن أن هذه القصيدة قالها الشاعر فى أواخر حياته([9])، وقد لان له الشعر وانطاعت له قوافيه وراضت شوارده، فهذه القصيدة من فرائد شعر المتنبى فقد حازت الشهرة کما قال ابن رشيق([10])، وحازت الحسن کما قال الثعالبى فى تعليقه على أبياتها: "هذا کلام ما لحسنه غاية"([11]).
ومنهج البحث قائم على تحليل القصيدة تحليلا بلاغيا يبرز ما فيها من محاسن النظم، من حيث جودة الألفاظ وجزالتها، وقوة الأساليب وفخامتها، ودقة النظم وإحکامه، وجمال التصوير وبراعته، ثم التوقف أمام المآخذ التى يمکن أن تؤخذ على المتنبى فى بناء قصيدته.
هذا: وقد اقتضت طبيعة البحث أن يکون فى مقدمة وتمهيد وثلاثة مباحث وتعليق ختامى، وثبت بأهم المصادر والمراجع، وفهرس.
المقدمة : ذکرت فيها قيمة البحث، وهدفه، ومنهجه.
التمهيد : ذکرت فيه نبذة عن حياة المتنبى، وشعره، والمناسبة التى قيلت فيها القصيدة، وعرضأً للقصيدة.
المبحث الأول : مدح وإشادة بشجاعة سيف الدولة.
المبحث الثانى : وصف المعرکة بين سيف الدولة وبنى کلاب.
المبحث الثالث : الاستعطاف لبنى کلاب.
التعليق الختامى : وفيه أهم النتائج.
المراجع .
الفهرس .
وبعد: فلا أزعم أننى قد بلغت فى بحثى هذا درجة الکمال، فالکمال لله وحده، ولکنى اجتهدت قدر طاقتى، والله أسأل أن يقيل عثراتى، ويغفر ذلاتى وهو الهادى إلى سواء السبيل.
إبراهيم حسن أحمد
 

الكلمات الرئيسية