الاستطراد ( دراسة تاريخية فنية تطبيقية )

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

أستاذ مساعد في قسم البلاغة والنقد

المستخلص

فالبلاغة العربية إلى عهد الإمام عبد القاهر الجرجاني (ت471ﻫ) کانت علماً واحداً أساسه «النظم» الذي تتفرع منه مسائل المعاني، ومن هذه المعاني تتکون الصور البيانية الرائعة من تشبيه ومجاز وکناية واستعارة وتمثيل على حدّ الاستعارة متضمنة قِيَماً جمالية راجعة إلى جمال المعاني قبلأن تکون زينة للألفاظ([1])، فعبد القاهر کان يستعمل البلاغة والفصاحة والبيان والبراعة وکلّ ما شاکل ذلک بمعنىً واحدٍ: هو التعبير عن فضل بعض القائلين على بعض من حيث نطقوا وتکلموا وأخبروا السامعين عن الأغراض والمقاصد وراموا أن يعلموهم ما في نفوسهم ويکشفوا لهم عن ضمائر قلوبهم([2])، فلما جاء السکاکي (ت626ﻫ) قام بتقسيم البلاغة إلى علمي المعاني والبيان، ووضع أنواع البديع تحت اسم المحسنات وقسَّمها مهتدياً بابن سنان الخفاجي (ت466ﻫ) إلى محسنات لفظية ومحسنات معنوية وفصلها عن علمي المعاني والبيان، ثم أتى من بعده الخطيب القزويني (ت739ﻫ) فضَمَّ هذه المحسنات التي ذکرها السکاکي تحت اسم البديع وانتهت إلى ذلک علوم البلاغة بأقسامها الثلاثة (المعاني والبيان والبديع) لکنهم جعلوا علم البديع مختصّاً بوجوه تحسين الکلام بعد رعاية المطابقة ووضوح الدلالة "وبهذا أنزلوه منزلة دانية بعد علمي المعاني والبيان، ووضعوه في ذيل البلاغة، وحکموا على مباحثه بأنها محسنات عرضية لا ذاتية، وحلى للتزيين والتجميل، لا دخل لها في بلاغة الأسلوب، ولا تتوقف عليها مطابقته لمقتضيات الأحوال، وقد صادف هذا الحکم رواجاً لدى أصحاب الشروح والحواشي والتقريرات، وشايعهم بعض الدارسين والباحثين في العصر الحديث، وتمخض عن ذلک انصراف الهمم عن تحصيل مباحث هذا العلم وتوقفت الأذهان عن بحث أسراره، وسبر أغواره، فخلت معظم الکتب البلاغية الحديثة من مباحثه، واقتصر بعضها على عرض الذائع من ألوانه عرض الزاهدين، وهذا غمط لمکانة هذا العلم وحط لقدره وشأنه"([3]).
وفي الجانب الآخر نجد أن بعض الدارسين لهذا العلم في القديم والحديث نظروا إليه نظرة موضوعية بعيدة عن عوامل الانحطاط الخارجية التي ألمَّت به في حقب القحط الفکري والجفاف الفني، فهم يرون فيه قيمة کبرى وأنَّه يقف ندّاً لعلمي المعاني والبيان لأثره البارز في العبارة([4]).
ومن تتبعي لفنون هذا العلم رأيت فنّاً منه وهو الاستطراد يکاد يمثل ظاهرة أسلوبية واضحة في الأدب العربي القديم شعراً ونثراً فهو کثير الدوران على ألسنة الشعراء حتى لا تکاد تخلو قصيدة شعرية منه في العصر الجاهلي وما تلاه من عصور صدر الإسلام والأموي والعباسي کذا في نثر الکُتَّاب وخطب الخطباء في هذه العصور، کما لم يخلُ القرآن الکريم من هذا الأسلوب ولا الحديث النبوي الشريف ووجدت أنَّ هذه الکثرة تبعث في النفس عدة تساؤلات هي:
أولاً: لماذا لم يهتم به علماء البلاغة قديماً فنّاً وتطبيقاً فقد خلت بعض الکتب البلاغية القديمة من الحديث عنه وبعضها الآخر ذکره ولکن لم يوفِّه حقَّه من البحث، والبعض الثالث وهي کتب قليلة درسته دراسة علمية ناضجة کما سنرى في الفصل الأول.
ثانياً: لماذا لم يهتمّ به علماء البلاغة في العصر الحديث فيصنفوا فيه کما صنفوا في غيره من فنون البديع.
ثالثاً: لماذا لم يهتموا بدراسته دراسة تطبيقية على النص الأدبي. فعلى الرغم من کثرة المؤلفات التي ألفت في علم البديع في العصر الحديث إلا أنها خلت في معظمها من الحديث عن الاستطراد کفنٍّ بديعي، وسنرى ذلک في الفصل الأول، وأمَّا الدراسة التطبيقية له فلا نکاد نرى إلا دراسة تطبيقية أدبية بعنوان: الاستطراد في الشعر الجاهلي بين الأصول الفنية والدواعي النفسية للدکتور/ عبد الخالق بن مساعد الزهراني في قسم الأدب والبلاغة بکلية اللغة العربية بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
وإذا ترکنا کثرة دورانه في الأدب العربي القديم والحديث على السواء شعراً ونثراً ونظرنا إلى قيمته البلاغية والجمالية العظيمة التي تلبي حاجة المتکلم لأداء معانيه والتي ستتضح جلية في الفصل الثالث من هذا البحث رأينا الحاجة ماسة إلى دراسة علمية جادة تسدّ تلک الثغرة في الدراسات البلاغية في العصر الحديث ولا تدع مجالاً لهذه الأسئلة؛ لذا ألزمت نفسي أن أطلب العون من الله تعالى  وأن أُشَمِّر عن سواعد الجدّ والاجتهاد للقيام بهذه الدراسة فکان عنوانها: الاستطراد دراسة تاريخية فنية تطبيقية.
أسباب اختيار الموضوع:
ومما حفزني إليها عدة حوافز أجملها في التالي:
1-  لم أجد دراسة علمية أفردت هذا الفنّ البديعي«الاستطراد» بالحديث عن نشأته وتطوره وقيمته الفنية ولا عن تطبيقاته في القرآن الکريم والحديث النبوي الشريف والنثر العربي والشعر في غير العصر الجاهلي.     
2-  اهتمام بعض قدامى البلاغيين وحفاوتهم بالاستطراد وتفصيلهم الکلام فيه فأردت أن أجمع کلامهم هذا وأنسقه حتى تسهل الإفادة منه ويکون في متناول الدارس.
3-  شيوع وکثرة الاستطراد في الأدب العربي شعراً ونثراً قديماً وحديثاً خاصة في الشعر الجاهلي وما تلاه من عصور الاحتجاج.
4-  قيمته الجمالية والبلاغية إذ إنه يرتبط بالدواعي النفسية للمتکلّم.
5-  إثراء هذا الفن بشواهد جديدة من القرآن الکريم والحديث النبوي الشريف والشعر العربي بدلاً من الشواهد التي اقتصر عليها البلاغيون.
خطة البحث:
ويتکون هذا البحث من مقدمة وثلاثة مباحث وخاتمة وفهرسين:
المقدمة: وفيها أتحدث عن أهمية الموضوع، وأسباب اختياره، وخطته، ومنهجه.
المبحث الأول: الاستطراد النشأة والتطور، وفيه ثلاثة محاور:
المحور الأول: الاستطراد في ظلال الدراسات الأدبية والنقدية.
المحور الثاني: الاستطراد في ظلال الدراسات البلاغية القديمة.
المحور الثالث: الاستطراد في ظلال الدراسات البلاغية الحديثة.
المبحث الثاني: الاستطراد دراسة فنية، وفيه ثلاثة محاور:
المحور الأول: تعريف الاستطراد في اللغة والاصطلاح.
المحور الثاني: الفرق بين الاستطراد وبين ما تشابه معه من الفنون البلاغية.
المحور الثالث: قيمة الاستطراد البلاغية.
المبحث الثالث: الاستطراد دراسة تطبيقية، وفيه ثلاثة محاور:
المحور الأول: الاستطراد في القرآن الکريم.
المحور الثاني: الاستطراد في الحديث النبوي الشريف.
المحور الثالث: الاستطراد في الشعر.
الخاتمة: وفيها أهم النتائج التي توصل إليها البحث.
الفهارس: فهرس المصادر والمراجع، ثم فهرس الموضوعات.
المنهج:
أمّا عن المنهج الذي تسير عليه الدراسة فهو المنهج التکاملي الذي يجمع المنهج التاريخي والفني والتحليلي؛ إذ إن عملي في هذا البحث يقتضي دراسة الاستطراد عند علماء البلاغة قديماً وحديثاً وتتبع تطوره، ويقتضي أيضاً تحقيق معناه وتمييزه عن غيره من الفنون البلاغية التي تتشابه معه ثم دراسته دراسة تطبيقية في القرآن الکريم والحديث النبوي الشريف والشعر العربي.
وأخيراً أحسب أن هذه الدراسة تسدّ تلک الثغرة التي أشرت إليها سابقاً، فإن کانت کما حسبتُ فهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، وإن کانت الأخرى فحسبي أنِّي اجتهدت وأخلصت النية لله تعالى.
 

الكلمات الرئيسية