عاطفة العباس بن الأحنف وأثرها في صور شعره الغزلي

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

مدرس الأدب والنقد بکلية اللغة العربية بجرجا ـ جامعة الأزهر

المستخلص

فإن کلام الإنسان وأدبه دليل علي نفسه وعنوان لها ، وتستطيع أن تتعرف على أي إنسان وتحلل خلقه دون أن تراه أو تعايشه ؛ إذا ما عرفت کلامه أو طالعت أخباره أو درست أدبه وقد قيل:المرء مخبوء تحت لسانه فإذا تکلم ظهر ، وقيل أيضا: ما أضمر أحد شيئا إلا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه[1].
وقد خلق الله تعالى خلقه وخالف بين طباعهم في کل شيء حتى في قبول الهداية والميل إلي الضلال وقرر سبحانه وتعالى:"ولا يزالون مختلفين ولذلک خلقهم[2]" ؛ وتباينت لذاک نفوسهم فنفس بالله مطمئنة ونفس للدنيا مشرئبة ونفس بالسوء أمّارة وأخرى لصاحبها لوّامة ونفس سوداوية وأخري سادية ونفس مازوخية وأخرى صافية نقية ونفس ساخطة وأخرى راضية ...إلخ أشکال النفوس والتي لابد أن تظهر منها تلک الطباع مهما حاول صاحبها أن
يخدع الناس أو يداري أو يکذب أو يواري :
ومهما تکن عند امرئ من خليقة         وإن خالها تخفي علي الناس تعلم[3]
وقد کنت من زمن أطالع الشعر في تراثنا العظيم فاستوقفني طويلا شعر العباس بن الأحنف حيث وجدت ديوانه کله في غرض واحد لا يتعداه إلا نادرا –کما سنفصله – وهو الغزل بل والغزل العذري العفيف فاستغربت لهذا کثيرا ودفعني هذا الاستغراب إلي البحث عن السر وراء ذلک وقد زاد من عجبي واستغرابي أن العباس وجد في العصر العباسي وهو عصر الحضارة والرفاهية وقد وجد في بيئة الخلفاء وهي أشد البيئات ترفا ولهوا ومن لوازم التواجد فيها - عند الشعراء - المدح والهجاء : مدح الخلفاء والأمراء والوزراء وهجاء أعدائهم ، ومما يرفع درجات العجب أنه قد وجد معه وصاحبه شعراء أهل مجون ولهو کأبي نواس فالعصر والبيئة والصحبة جميعها تدفع الشعراء إلي الخوض في کل شئ والقول في کل غرض بل واستحداث أغراض جديدة کالتغزل في الغلمان والغلاميات...فما بال هذا الرجل يقف نفسه وشعره -وهو قوي بشهادة النقاد القدامى والمحدثين- علي غرض واحد بل علي شق منه وهو الغزل العفيف ويترک
الشق الآخر والذي ولغ فيه وعب معظم شعراء عصره وهو الغزل الماجن؟!
فأردت أن ادرس هذه الشاعر من خلال أقوال المؤرخين والأهم من خلال شعره لأنه هو حقيقته التي لا يمکن أن يعرفها - من عالم الناس – غيره .- وقد کان - فقرأت ما کتب عنه وأمسکت بديوانه طويلا أبدئ فيه وأعيد وأقرأ مرارا وتکرارا وقد وجدت أن ما فعله العباس لا يرجع إلي بيئته!! مخالفا بذلک القاعدة التي يرددها الکثيرون (أن الإنسان ابن بيئته) فالبيئة بکل ما تشتمل عليه من عوامل لم تؤثر في العباس ؛ إنما المؤثر الأکبر الذي يرجع إليه ذلک هو نفسية العباس وجبلته التي فطر عليها.
وبالنظر في نفسه تجدها نفسية صافية نقية مليئة بالإخلاص للمحب والحرص عليه والتفاني ،کما يبدو جليا للناظرين ما يتمتع به من شعور إيماني لا يوجد إلا قليلا في شعراء الغزل..،
هذا وقد جاء البحث بعد المقدمة في أربعة مباحث:
المبحث الأول:العباس وعصره .عرفت العباس فيه بإيجاز کما تکلمت باختصار عن عصره وما يوصف به.
المبحث الثاني. مفهوم الصورة قديما وحديثا.وفيه بينت مفهوم الصورة عند علمائنا القدماء ، وبينت ما تشمله تعريفاتهم لها ،ثم بينت مفهومها عند المحدثين  وکيف تباينت کلماتهم في تعريفها وتحديدها .
المبحث الثالث:الصورة والعمل الأدبي عند العباس.وفيه عرجت علي أهمية الصورة للعمل الأدبي وأن لها عناصر لابد أن تتضح في العمل الأدبي وطبقت ذلک على بعض الصور عند العباس وفصلت ما في صوره من خيال وأسلوب وما تتمتع به من دقة في اختيار الألفاظ وصدق في التجربة الشعرية والشعورية.
المبحث الرابع :نفسية العباس واتجاهه الغزلي من خلال شعره.وقد بينت هذا الاتجاه الفريد للعباس ورقة شعوره وصفاء نفسه ؛ مستشهدا علي کل کلمة ببيت أو أکثر من شعره ؛ لأصل في النهاية إلي الحقيقة التي أراها وهي : تمتع العباس بنفسية صافية نقية ، وکذلک تمتع محبوبته بنفسية صافية ، ساعدت على استمرار العباس علي هذا النهج العذري العفيف، وتمتعهما سويا في عفاف وورع کبيرين جعل هذه العلاقة تتسم بالطهر والبراءة.
المبحث الخامس:التصوير في الشعر الغزلي عند العباس ما له وما عليه.وفيه ذکرت بعض المزايا التي يتمتع بها العباس في تصويره :کثراء المنابع عنده وعظم المثيرات، البناء الدرامي، المعجم اللغوي ، التجاوب مع الطبيعة، کذلک يمتاز بالعمق في التصوير ، حيوية الصورة ، الموسيقية الرقراقة ،وکذلک يؤخذ علي العباس أشاء منها: المبالغة ، ضعف في المعني – أحيانا -، أحيانا يقع في التعبير النثري .
وأخيرا...،
فقد استمتعت بهذه الدراسة وطول القراءة لهذا الشاعر المحب العفيف ، ومما دفعني لمثل هذه الدراسة دراسات الأستاذ العقاد عن أبي نواس، وابن الرومي،ودراسات الدکتور محمد النويهي ومنها التي تحدث
 فيها عن بشار وقد ذکرت ذلک في خلال البحث[4] .
واصدق شهادة على المرء هي شهادته علي نفسه .وأرجو أن أکون وفقت في توصيل ما أردت أن أقوله فإن کان توفيق فمن الله وحده وله الحمد في الأولى والآخرة وإن کانت الأخرى فهذه سمات البشر النقص والقصور " ولو کان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا کثيرا[5] " لکن يکفيني شرف المحاولة ، ولعلها تفتح بابا أو تذکر باحثا بالکتابة في مثل هذا الموضوع ؛ فيصل إلي ما حاولنا الوصول إليه...
 والله من وراء قصدي وهو حسبي ومعيني ، وبه عياذي وسدادي، وعليه اتکالي واعتمادي.
                                                                     الباحث

الكلمات الرئيسية