وصف المتنبى لذاته دراسة بلاغية نقدية

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

جامعة الأزهر

المستخلص

      فمنذ الأيام الأولى في دراستي الجامعية أدرکت قيمة المتنبي الشعرية ، ومکانته الأدبية ، فقد کان اسمه وشعره يطرقان آذاني ، ويمسان شغاف قلبي في معظم قاعات الدرس الجامعي ، وقد شدني هذا الخلاف القائم بين أساتذتي في شخصية المتنبي وشعره ، فمنهم من کان يحکم عليه بميزان البلاغة فيرفعه بشعره إلى عنان السماء ، ومنهم من کان يحکم عليه بميزان الشرع  ، فيهوي به إلى القاع ، ويحکم عليه بضعف العقيدة .  وهذا الخلاف لم يکن وليد اللحظة ، وإنما هو ضارب بجذوره في کتب التراث العربي ، فهو خلاف متأثر بما جاء في هذا التراث ، وهذا الخلاف جعلني في توق وشوق إلى التعرف على شخصية هذا الشاعر، والحکم عليه حکمًا يزيل هذه الحيرة التي خلفها بداخلي هذا الخلاف ، ووجدت في نفسي رغبة ملحة لدراسة شعر هذا الرجل الذي ملأ الدنيا ، وشغل الناس على حد تعبير ابن رشيق ، وکنت واحدًا من هؤلاء الذين شغلهم المتنبي بشخصه وشعره ،فعزمت على التعرف على شخصية هذا الشاعر والحکم عليه من خلال شعره ، ومن خلال ما نطق به لسانه ، لا من خلال ما تناقلته مجالس الأدباء والنقاد ؛ لأن هذه المجالس کانت لا تخلو من التلفيق ؛ خاصة وأن المتنبي قد رزئ بخصومات من أدباء عصره لم يرزأ بها شاعر مثله على مر العصور .
 
      وعندما حانت لحظة التسجيل لمرحلة الماجستير ، ثم الدکتوراه کانت الفرصة سانحة لتحقيق هذه الرغبة في دراسة شعر المتنبي ، إلا أن عهدًا کنت قد أخذته على عاتقي ، وألزمت به نفسي جعلني أتنحى عن هذه الرغبة ، وهو أن أبدأ حياتي العلمية بدراسة کتاب الله تعالى ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وقد تحقق لي بفضل الله تعالى ، وبفضل أساتذتي ما أردت ، فقد درست البلاغة النبوية في مرحلة الماجستير ، والبلاغة القرآنية في مرحلة الدکتوراه ، وکان لزامًا عليَّ بعد ذلک أن أحقق ما تصبو إليه نفسي منذ زمن بعيد ، فاتجهت إلى شعر المتنبي الذاتي ، لأجمع بذلک بين التعرف على شخصية المتنبي وشعره .  ولما کان الشعر الذاتي في ديوان المتنبي أوسع مجالاً من أن يحويه بحث اتجهت إلى جانب من جوانب هذا الشعر ، وهو الذي يتحدث فيه المتنبي عن صفاته ، فکان موضوع هذا البحث { وصف المتنبي لذاته ) دراسة بلاغية نقدية ( } ولا شک أن دراسة شعر المتنبي تثري البلاغة العربية ، وتمدها بالجديد من الألوان البلاغية ؛ وذلک لما يحويه هذا الشعر من الأساليب والمعاني المبتکرة التي کسر بها المتنبي قيود الشعر العربي ، هذا بالإضافة إلى ما في دراسة هذا الشعر من تهذيب النفس ـ لما فيه من أخيلة دقيقة ومعانٍ رقيقة ـ وترقيق الحس ، وتثقيف اللسان ، وتکوين الملکة البلاغية ، کما أن دراسة الشعر الذاتي للشاعر خير وسيلة للتعرف على شخصيته والحکم عليه ؛ لأن الحکم على الشاعر في هذه الحالة لا يعتمد على الروايات المتناقلة ، وإنما يعتمد على ما نطق به الشاعر نفسه .
 
      وقد اتبعت في دراستي المنهج التالي :
أولاً : حصرت الصفات التي وصف بها الشاعر ذاته ، ووضعت الصفة عنوانًا رئيسًا أبدأ به الدراسة ، 
       وقمت بتعريف هذه الصفة ، ثم ذکرت من الشواهد ما يبرزها ، ويبين درجتها في القوة ، ويظهر 
       بلاغة المتنبي في تصويرها والکشف عنها .
ثانيًا : رتبت الصفات في البحث حسب أهميتها بالنسبة للشاعر ، فبدأت بالحديث عن الفصاحة
      والشجاعة ، لأنهما من أهم وأکثر الصفات التي تحدث عنها المتنبي ، وقدمت الفصاحة على
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
 
الشجاعة ؛ لأني رأيت المتنبي عند الجمع بينهما يقدم صفة الفصاحة على الشجاعة من ذلک قوله(1)
َجفَتْني کأنِّي لَستُ أَنْطَقَ قَوْمِها           وأطعنَهم والشّْهبُ في صورةِ الدُّهمِ
      وجاءت العفة في المرتبة الثالثة ؛ لأني رأيت العفة في شعره مرتبطة بالشجاعة کما في قوله(2) :
لا أنْ يکونَ هکَذا مَقَالـــــــي         فَتًى بنِيرانِ الحُروبِ صَالِ
                          مِنْهَا شَرَابي وَبهَا اغْتِسَالي         لا تَخْطُرُ الفَحشاءُ لي ببَالِ
      ولما رأيت غالب حديث المتنبي عن صبره وخبرته کان في المراحل الأخيرة من حياته جعلت 
      الحديث عن صبره ، ثم الحديث عن خبرته في الترتيب الأخير من الدراسة ، وتوسط البحث 
      الحديث عن علو منزلته ومکانته ، ثم الحديث عن علو همته وطموحه ؛ لأن الذي يظهر من شعر
      المتنبي أن علو المنزلة ، وعلو الهمة في مرتبة واحدة في الأهمية بالنسبة له .
 
ثالثًا : ربطت الشواهد بالقصيدة التي تنتمي إليها ، ثم بينت الغرض والمناسبة التي قيلت فيها القصيدة ،
      ثم ذکرت المطلع الذي بدأت به ، وذلک إيمانًا مني بان القصيدة وحدة متکاملة ، وسياق واحد لا  
      يتجزأ .
رابعًا : ذيلت الدراسة في نهاية کل صفة تحدث عنها المتنبي بملخص أرصد فيه أبرز السمات في              
      حديث المتنبي عن هذه الصفة .
خامسًا : اعتمدت في تحقيق الأبيات وروايتها على ديوان المتنبي طبعة المکتبة الثقافية ـ بيروت ـ لبنان
      ، وإذا کان للبيت روايات أخرى أُشير إليها ، مع التوجيه البلاغي لاختلافها ، والمفاضلة بينها ،
      وبيان أيها أنسب وأبلغ في التعبير عن مراد الشاعر ومقصده .
سادسًا : لم أقف من الشاعر موقف المتعصب له ، المعجب بکل ما يقوله ، بل إنني تعاملت معه تعامل
          الناقد المحايد الذي يظهر الجيد ويبرزه ، ويقف على الرديء ويبين أسبابه .   
سابعًا : اتبعت في دراستي المنهج التحليلي الذوقي مقتفيًا في ذلک أثر الإمام عبد القاهر الجرجاني ،   
         فأبرزت الخصائص والأساليب البلاغية التي وظفها المتنبي في الکشف عن الصفة التي يتحدث  
         عنها ، مبينًا أثر هذه الخصائص والأساليب ودقتها في إبراز هذه الصفة ، ومدى التآزر 
         والترابط بين الأساليب داخل النظم في الکشف عنها ، مع الوقوف على خصوصية الکلمات 
         والجمل داخل السياق .  
               هذا وقد اقتضت طبيعة هذا المنهج أن يأتي هذا البحث في قسمين من الدراسة تسبقهما
         مقدمة وتذيلهما خاتمة : أما المقدمة ففيها إظهار لقيمة الموضوع ، ودوافع اختياره ، ومنهج 
         السير فيه ، وأما القسم الأول من الدراسة :فهو الدراسة التمهيدية ،وعنوانها( المتنبي وخصائص
          شعره ) ، وأما القسم الثاني فقد احتوى على الدراسة البلاغية وکانت في ترتيبها کالتالي :
 
 أولاً   : بلاغة المتنبي في وصفه لفصاحته وبلاغته
ثانـيًا   : بلاغة المتنبي في وصفه لشجاعته
ثالثـًا   : بلاغة المتنبي في وصفه لعفته
رابعًا   : بلاغة المتنبي في وصفه لعلو منزلته ومکانته
خامسًا : بلاغة المتنبي في وصفه لعلو همته وطموحه
سادسًا : بلاغة المتنبي في وصفه لصبره وجلده
سابعًا  : بلاغة المتنبي في وصفه لخبرته وتجاربه
        أما الخاتمة ففيها رصد لأهم نتائج الدراسة .
 
هــــــــــذا وباللــــه التــــوفيـــــــق

الكلمات الرئيسية