الرد على ابن خلدون في قضية الشعر في صدر الإسلام

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

أستاذ الأدب والنقد بکلية اللغة العربية بجرجا

المستخلص

فإن ظهور الإسلام استوقف الدنيا کلها،وغير في وجهها،کما غير في کل شيء فيها،ومما غيره الإسلام الشعر،فشتان بينه قبل الإسلام وبعده في کل شي من الألفاظ والکلمات والأساليب إلي الصور والأخيلة مرورا بالمعاني والمضامين حيث حدث في جميع هذا ثورة کبيرة،وهي إلي الأفضل بلا شک لأنها استقت هذا التغيير وأخذته من أعظم بيان رأته الأرض وهو بيان العلي الکبير سبحانه وتعالي القرآن الکريم،ثم کان هناک نموذج بشري يحبذ البيان وحسن الصياغة ويحفزه وهو النبي الکريم صلي الله عليه وسلم الذي آتاه الله جوامع الکلم وأعطاه أزمة البيان ومنحه قياد البلاغة ووهبه قمة الفصاحة،فنظر أهل الأدب کل فيما يحسنه من نظم أو نثر إلي هذه الأساليب الراقية العذبة السهلة السلسة،المتينة السبک،الشديدة الأسر،القوية الجزلة والتي جمعت کل أوصاف الفصاحة والبلاغة علي تقابلها کلها التقت في کتاب الله تعالي ثم في بيان المصطفي صلي الله عليه وسلم فظهر الأثر الفوري القوي في شعر الشعراء ونثر الناثرين.
وکل من يدرس الأدب وتاريخه لابد ان يعرِّج علي عصر صدر الإسلام ويري أثر الإسلام فيه،وقد حدث،ولکن بعض الباحثين رأي - ولا ندري کيف- أن الإسلام أثر بالسلب علي الشعر لا سيما في صدره الأول فضعف الشعر فيه کما وکيفا،وزادت هذه النغمة طنينا ورنينا لا سيما بعد أن تولي کثير من المستشرقين دراسة أدبنا وتحقيقه والتعليق عليه،وقد تصيدوا من أقوال علمائنا السابقين عبارات وجملا حمّلوها غير ما تحمل،ووجهوها علي غير وجهها، وفسروها بأهوائهم،ثم سار خلفهم کثير من کتابنا بعضهم سار لغرض- الله به عليم- وبعضهم سار بحسن نية؛فقد غرته تلک التهاويل وانطلت عليه التزاوير  التي زوروها وخدعته التمويهات التي موهوها فرکب رکابهم وحذا حذوهم ، وقام في المقابل باحثون فأبانوا القضية ووضحوا صواب وجهها ولکن ظل أصحاب الغي في غيهم وکابروا في ضلالهم مصرين علي أقوالهم ،متذرعين بأقوال أئمتنا السابقين التي فسروها بأهوائهم ،وقد قرأت في هذه القضية وأردت أن أستزيد فيها وعنها فعزمت علي کتابة هذا البحث ولأحاول الرد أو بمعني آخر توجيه کلام ابن خلدون الوجهة الصحيحة، وقد ترکت کلام المستشرقين جانبا لمعرفة معظم الباحثين في هذا العصر بحقيقتهم وظهور البحوث المستفيضة والکثيرة التي تعرف بهم وبأغراضهم بل وتصنيفهم من حيث الکيد للإسلام والعرب والاعتدال في ذلک ،وکان المهم عند أن اذکر الباحثين العرب الذين تعرضوا لهذه القضية وأقوالهم والرد عليها وعلي ابن خلدون وهو رد علي من قال برأيه أو سار خلفه ،وقد جاء هذا البحث في:
 
 
المبحث الأول:رأي ابن خلدون ومن تبعه في القضية والرد عليهم.      
وفيه ذکرت القضية وإثارتها من قبل المستشرقين والمستغربين وذکرت نص ابن خلدون الذي سيکون لأجل الرد عليه هذا البحث.ثم مناقشة من تبع ابن خلدون ،حيث ذکرت بعض من تبعه من الباحثين أما الباحثون الغرب فضربت عنهم صفحا مکتفيا بکلمة لباحث عربي في الرد عليهم وأما العرب فرددت عليهم ثم جعلت الرد علي ابن خلدون ردا لهم.وفي الرد علي ابن خلدون، فصلت الرد علي ابن خلدون وبينت نقض کلامه من کلامه والرد عليه من قوله مستشهدا لذلک بالدلائل المعضدة لما أراه من تراثنا الأدبي والنقدي وبينت وجوه الجمال والجلال التي أسبغها الإسلام علي الشعر وما جدده فيه.
المبحث الثاني :رأي المعارضين لابن خلدون ومدى أصالة رأيه.وفيه ذکرت بعض الباحثين المحدثين الذين اتسموا بالحيادية والموضوعية وبينوا عن طريق البحث الجاد خطأ رأي ابن خلدون ومن تبعه مستشهدين بالاستقراء المحايد للأدب في هذا العصر. ثم مدى أصالة رأي ابن خلدون. وفيه بينت ان ابن خلدون مسبوق في طرقه لهذه القضية بعلمين کبيرين وهما الأصمعي وابن سلام الجمحي وإن کان کلامهما له وجهة أخري غير الحکم العام الذي ذکره ابن خلدون وقد فصّلت القول في رأييهما لأصل فيه – بإذن الله- إلي وجه الصواب ووجدت أن کلاميهما مخالف ومغاير لکلام ابن خلدون.
المبحث الثالث:موقف الإسلام من الشعر.وفيه أطلت الوقفة مع موقف الإسلام من الشعر الذي هو أرقى درجات الأدب شارحا وموضحا موقف القرآن الکريم وموقف الرسول صلي الله عليه وسلم ثم موقف الصحابة رضوان الله عليهم لأخلص ان الإسلام حبذ الشعر ودفعه ما التزم بمبادئ الإسلام وأسسه وتعاليمه وضوابطه.
ثم أنهيت البحث راجيا أن أکون قد وفقت في عرض وجهة نظري التي أدين الله بها وأحسبها الصواب في قضية الشعر في صدر الإسلام فإن کانت التي أردتها فلله الحمد وله وحده الفضل والمنة وإن کانت الأخرى فمن نفسي وأسال الله أن يجبر بفضله النقص وأن يغفر الزلل إنه ولي ذلک والقادر عليه وهو من وراء القصد ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

الكلمات الرئيسية