تشکل حرکة المجتمع والتاريخ فى الرواية المصرية الحديثة ( رواية: " الباقى من الزمن ساعة" لنجيب محفوظ ـ نموذجاً )

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

مدرس الأدب والنقد فى کلية الدراسات الإسلامية والعربية بقنا

المستخلص

فلقد کان الأدب ـ ولا يزال ـ وسيظل ـ يمثل أحد التجليات الفوقية التي يفرزها الواقع الاجتماعي، وصورة من صور الوعي الفاعلة فيه ، وظاهرة من الظواهر الفکرية التي وجدت منذ فجر التاريخ ـ منذ  أن اکتشف الإنسان نفسه وأصبحت له لغة يعبر فيها عن متطلباته .
فلاشک أن الفن ـ والأدب جزء منه ـ يمتلک سلطة کبرى تجعله قادراً على تحـويل الأحـداث الواقعية إلى متتاليات قصصـية ذات معـنى، تنبع دائماً من إدراک ما هو قائم وما هو ممکن. فالأشکال القصصية الواقعية تعکس الواقع التاريخي وتزيد وعينا بالممارسة الاجتماعية القائمة، ولکنها في الوقت نفسه تجعلنا ندرک أيضاً البدائل الممکنة والغاية وراء المشروع الإنساني.
والأشکال القصصية الواقعية التي نقصدها هنا ليست هي من ذات الواقعية الاشتراکية التي تتراوح بين الفوتوغرافية والدعاية، ولکنها واقعية تستند إلى إدراک معين للواقع الاجتماعي ولکيفية تجاوزه ، کواقع مباشر متغيِّر من خلال العملية التاريخية التي يُفترَض أنها تحتوي على الإمکانيات الإنسانية والاجتماعية التي سيُقدَّر لها أن تتحقق في نظام اجتماعي وثقافي جديد .
فالعلاقة التي يقيمها العمل الروائي مع الواقع لا يمکن بحال من الأحوال  أن تثبت على واقعيتها المنقولة من الواقع کما هي ، والتعامل مع العمل الأدبي على أنه مجرد انعکاس للعالم الاجتماعي، إنما تتحول من الواقعي إلى المتخيل بحيث يصبح من الصعب التحقق من معادلته الاجتماعية فالمجتمع هو مجتمع الکتاب الذي يبرزه العالم المتخيل .
والناظر إلى الکم الروائي الذي أبدعه مخيال نجيب محفوظ في مسيرة المدونة الروائية العربية عامة والمصرية خاصة ـ يجد أنه يعکس الأساس الفعلي والحقيقي لبداية الرواية العربية الحديثة، حيث إن الرواية العربية مرّت بأطوار کثيرة تشکلت من خلالها جنيناً مکتمل الهيئة على يد نجيب محفوظ. من هنا جاءت مسارات التحول التي عرفتها الرواية العربية على يد نجيب محفوظ، عاکسة لفعل التحقق الإبداعي الروائي في صورته التامة الناضجة .
فالرواية تأتى في طليعة الأشکال النصية الأدبية الهادفة المعبرة عن الواقع  ، ومن أشدها تجسيداً لتحولاته ، وأعمقها استيعاباً لأبعاده ؛ لما تحتويه من معمار فني يشتمل على أساليب التعبير المختلفة ـ الشعرية والقصصية ـ التي تمکنها من بز صور المجتمع والتعبير عن الإنسان ومصيره وتطلعاته، واستيعاب حرکة التاريخ واستشراف المستقبل .
فهى ـ أى الرواية ـ من أهم الفنون الأدبية التي جاءت لتعکس طرحاً أدبياً وفکرياً واعياً من أشکال العلاقة الوطيدة بين النص الأدبي والواقع الاجتماعي التاريخي .فهي ليست کيانا أدبيا مطلقاً، لا يوجد إلا لذاته ، وإنما وجد لتلبية للعديد من التحولات  التاريخية ـ الاجتماعية والسياسية  ـ التي تفرزها المجتمعات الإنسانية .
ولقد کان أدب نجيب محفوظ ـ ولا يزال ـ مجالاً ثرً ودسماً للدراسات الأدبية التي اختلفت بالطبع طرق تناولها لهذا العالم الروائي الذي تموج في داخله حرکة الحياة في معناها الأوسع والأشمل.
إن نجيب محفوظ يتخطى المکانية والزمانية في عالمه الروائي ، ويشمل الحياة العريضة ليلتبس فيها الماضي والحاضر والمستقبل . وفيه ترى نموذج الفنان الذي أفاد من مختلف المناهج الفنية ، واستطاع أن يستوعب بذکاء ومقدرة فذة کل تلک المناهج لتتحول على يديه إلى مقدرة ومهارة في إعطاء مذاق جديد للنص الروائي .
من أجل ذلک جاءت الدراسات الأدبية لنتاجه الروائي متنوعة ، فمنها ما تناول المنهج التاريخي أحياناً، والبناء الروائي أحياناً أخرى، ومنها ما تناول دلالة الشخصيات بحسبانها نماذج اجتماعية لشريحة تاريخية معينة ، ومنها ما تناول فکرة الانتماء و(اللا انتماء ) في أدبه عامة  ... وصلتها بالظروف الاجتماعية.
ولاشک أن هذه الدراسات أدت ـ بلا جدال ـ دوراً مهماً في استکشاف أدب نجيب محفوظ القصصي ، کما بذل أصحاب هذه الدراسات جهوداً طيبة أفدت منها إفادة کبيرة حيث وجهت نظري لکثير من القضايا الفنية والموضوعية.
وقد طمحت هذه الدراسةإلى تحقيق بغيتها من خلال اختيار أنموذج روائي دال يجسد رؤيا عامة، ويجعل من الموقف الوجودي للإنسان وما يمر به من أحداث تاريخية لحرکة الحياة وجهته الکبرى ، هذا النموذج هو روايته المهمة (الباقي من الزمن ساعة ) التي کتبها في عام 1982م.
ولما کانت هذه المحاولة المتواضعة التي نحن بصددها ، تجمع بين التناول النظري والتحليل النصي للأعمال الروائية المنتقاة من أدبنا المصري الحديث ـ وجه الباحث اهتمامه منذ السطور الأولى إلى رأس الموضوعات المطروحة مباشرة دون أن يضيع وقتاً في تناول خلفيات سياسية أو اجتماعية أو فکرية تضخم البحث وترهق الباحث ، من أجل ذلک قمت بتقسيم البحث إلى مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة . جاء الفصل الأول منها (مدخلاً نظرياً )  تحت عنوان : (النص الروائي وسلطة المتغير الاجتماعي) أما الفصل الثاني فحمل عنوان (تشکل الخطاب الروائي) و فيه قمت بقراءة الملامح الموضوعية للخطاب الروائى لرويات نجيب محفوظ  فى مرحلتى ماقبل ومابعد الثورة. أما الفصل الثالث فقد جاء فصلا تطبيقياً تحت عنوان (مسائلة النص الروائي) و فيه عرضت بالقراءة للرؤيا الفنية للمنظور الروائى التى تبدت من خلال النص الروائى الذى ارتضته الدراسة لأن يکون عينتها المدروسة ، وهو رواية (الباقى من الزمن ساعة) لنجيب محفوظ وذلک فى حدود مايلى :
أولا ًـ المنظور الفکري .
ثانياً ـ المنظور الفني .
ويشمل:
( العنوان الروائي : الوعي الشکلي والجمالي .
( الأفق الروائي : الواقع والمتخيل .
( الفضاء النصي : التشکل والبناء الداخلي .
ويشمل:
Bبنية الحکى .
Bبنية الزمن.
 Bبنية اللغة .
Bبنية الشخوص .
الخاتمـــــــــــة .
المحتــــــــوى  .
والله أسأل أن تکون هذه الدراسة من الأعمال المحمودة القادرة على إضافة مردودات إيجابية جديدة ـ بقدر ما ـ مهما کان هذا القدر ـ يستفاد بها فى مجال الدراسات الأدبية والنقدية العربية الحديثة ـ إن شاء الله تعالى .
 
الباحث
 

الكلمات الرئيسية