فإن شرف أي دراسة مرتبط بما تتعلق به هذه الدراسة ، وأي شرف أعلي ومقام أفضل من دراسة تتعلق بأشرف کتاب وأفضل کلام ، کلام رب العالمين ، المنزل علي إمام النبيين ، ورحمة الله للعالمين. لذا قصدت هذه الدراسة المتواضعة أن يکون لها حظ من هذا الشرف ، فحطت رحالها عند فاتحة الکتاب ، تقرع الأبواب ، وتقبل الأعتاب ، لعلها تنال القبول وتدرک الثواب ، فتقدم شيئاً يعين علي فهم المراد من کلام الملک الوهاب. ولما کانت سورة الفاتحة - بحسب ترتيب المصحف - أول کلام الله عز وجل إلي عباده ، يعلمهم کيف يرجون رحمته ، مقدمين بين يديه حسن الثناء عليه ، بکل أوصاف الکمال والجلال ، وکانت سورة الفاتحة أعظم سور القرآن ، لما کان الأمر کذلک برعت أقلام العلماء في بيان أسرار هذه السورة ، وتفتقت الأذهان في استخراج دقائق ولطائف المعاني وأسرار بلاغة النظم الکريم ، وقد تنوعت هذه اللطائف والأسرا ر بتنوع العقول والأفهام ، وبحسب ما فتح الله علي عباده ، لکن تناثرت هذه اللطائف في کتبهم ومؤلفاتهم لاختلاف أزمانهم وأوقاتهم. لذا قصدت هذه الدراسة جمع شتات هذه اللطائف والأسرار ، وضم بعضها إلي بعض وترتيبها علي نسق يخدم المعني ، ويبرز جوانب البلاغة فيها ، ويشرح ما کان غامضاً منها ، وتحرير النکات البلاغية من کتب أئمة البلاغة ، لعلها تضيف لبنة في صرح البلاغة القرآنية الشامخ ، الشاهد علي عظمة وروعة هذا الکتاب الخالد . والقصد من وراء ذلک أولاً وآخراً ابتغاء مرضاته تعالي ، ونيل شرف الخدمة في محراب کتابه، ثم بعد ذلک رجاء أن تکون إضافة ولو بسيطة إلي مکتبة البلاغة القرآنية . والله من وراء القصد وهو الهادي إلي سواء السبيل، والحمد لله رب العالمين .