أثر الوزن والقافية على البنية الصرفية والمقطعية مع التوجيه الصوتى فى شعر حسان بن ثابت ( رضى الله عنه )

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

مدرس أصول اللغة بالکية جامعة الازهر

المستخلص

فلم يبلغ قوم في الحفاظ على لغتهم والتفاني في خدمتها والحرص علي نقائها ما بلغه العرب ، وما ذاک إلا لأنَّ لغة من لغات الأرض لم يتنزل بها کتاب سماوي بمعانيه وکلماته وحروفه سوى اللغة العربية فقال تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} ([1])وقال جل شأنه :
 { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ*عَلَى قَلْبِکَ لِتَکُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ *بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ
مُّبِينٍ } ([2])وحين التوت الألسنة بمخالطة الأعاجم ، دفعت الغيرة على اللغة علماءها للمسارعة بوضع القواعد التي تحمي الألسنة والأقلام من الخطأ ، وکان الشعر العربي من مصادرهم الرئيسية التي استمدوا منها تلک القواعد والأصول  ، فهو ديوان العرب ، حفظت به الأنساب وعرفت المآثر ،ومنه تُعلمت اللغة ،وهو حجة فيما أشکل من غريب کتاب الله عز وجل  ،وغريب الحديث النبوي الشريف ، وحديث الصحابة والتابعين .
     وقد خلد لنا التاريخ دواوين عديدة لشعراء مازال صيتهم ذائعا في کافة الدراسات الأدبية والبلاغية واللغوية ، وما زال العرب - حتى يومنا هذا - يولد منهم مَنْ يرفع شأن أمته بقصائده الجليلة العطرة .
     ولکن ليس کل ما يقال يُعد صاحبه في مصاف الفحول من الشعراء ؛فهذه مکانة لا يرقاها إلا من توافرت فيه ملکات خاصة وصفات لا توجد في غيره ، ومن أهمها ثقافة الشاعر اللغوية ؛ فقد ألح الأصمعي على وثاقة الصلة بين الفحولة وعمق المعارف اللغوية ([3])، بل إن أبا هلال العسکري وصى بأن ينخل الشاعر ألفاظه ويبدل بعضها من بعض ولا يضع الکلمة إلا مع أختها حتى يتحقق لشعره الالتئام([4]). کما أکد النقاد على ضرورة دراية الشاعر الجيدة بالنحو والصرف ([5]). وعبد القاهر الجرجاني يجعل المفاضلة بين الشعراء بمدى العلم بالنحو ، وينتقص قدر الشاعر بمدى تهاونه في النحو([6]) وابن رشيق يؤکد حاجة الشاعر إلى ما حصر له من المعارف لاحتمال الشعر ما حمل من نحو ولغة وفقه ... وغير ذلک من ضروب المعارف([7]).
وربما کان لحس الشاعر وذوقه دخل في تغيير بعض الألفاظ والترکيب ، شريطة عدم الإغراب أو هدم القواعد اللغوية ، فليس معنى قول سيبويه : " وليس شيء يضطرون إليه إلا وهم يحاولون به وجهان ([8]) ليس معناه - في رأينا- أنه موافق على ما يصنع کثير من الشعراء .
وفي رأينا أن الشاعر الفصيح المرموق عليه أن يجتنب ما أجازوه من الضرائر سوى بعض المواطن التي قد تکون مقبولة ومستحسنة مثل الحالات التي ذکرها ابن السراج ، کصرف ما لا ينصرف ، وإظهار التضعيف ، وتحريک الساکن ، وقصر الممدود ، وتخفيف المشدد ، وتخفيف الهمزة ، وقطع الوصل ، ووصل القطع ...إلخ ([9]) فکثير منها جاء على لهجة من لهجات العرب  کما سنرى في ثنايا البحث . أمّا اللحن في الإعراب ، أو إزالة الکلمة عن نهج الصواب فليس من ذلک ، ولا معنى لقول من يقول : إنّ للشاعر عند الضرورة أن يأتي في شعره بما لا يجوز([10]) ، فالکلمة العربية لها قواعدها الصرفية والصوتية ، ولها نظام خاص بنيتها المقطعية من حيث تکوين المقاطع ، وعددها ونظام تواليها ، وخير دليل على ذلک أن المستشرقين حللوا أبيات الشعر العربي إلى مقاطع بدلا من تحليلها إلى تفاعيل ، کما صنع القدماء من علماء العرب([11]) .
   ومع کثرة الدراسات التي تحدثت عن الضرائر وأثرها على اللغة، لم أر بحثا خاصا للحديث عن أثر الوزن والقافية على البنية الصرفية والبنية المقطعية ، عند أيّ شاعر من الشعراء ؛ لذا کان اختيارنا لهذا البحث بعنوان  : أثر الوزن والقافية في البنية الصرفية والمقطعية في شعر حسان بن ثابت ، رغبة في التأکد من مدى تمکن الشاعر من أدوات فنه ، ومدى فصاحته  العربية ، ومعرفة ما إذا کانت المحافظة على الأوزان سببا في الإفحاش والإغراب ، والضعف اللغوي عند الشاعر .
أمّا عن اختيار هذا الشاعر خاصة فلذلک عدة أسباب :
* منها أنه شاعر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو شاعر مخضرم ، اکتسب مهاراته اللغوية من القدماء ومن القرآن الکريم والحديث النبوي الشريف .
      ومنها ما ذکره عن شعره حيث يقول : ([12]) :
يُعْيي سِقاطي مَنْ يُوَازِنُنِي    إنّي لَعَمْرُکَ لَسْتُ بالْهَذْرِ([13])
ومن شعره الذي يهجو به أمية ابن خلف قوله ([14])
سأَنْشُرُ إن بَقَيْتُ لَکم کلاما     يُنَشَّرُ في المجامِعِ مِنْ عُکاظِ
قوافي کالسلام إذا استمَرَّتْ    مِنَ الصُّمِّ المُعَجْرَفة الغِـلاظِ
وهو القائل([15]) :
إن يأخُذِ اللهُ مِن عَيْنَيَّ نُورَهما      ففي لسانِي وقلبي منهمـا نُورُ
قَلْبٌ ذکيٌّ وعقـل غير ذي رَذَلٍ     وفي فمي صارم کالسيف مأثورُ
وليس أفضل من کلام الذي يقول فيه([16]) :
لا أسرِقُ الشعراء ما نَطَقوا     بل لا يُوافِقُ شِعرَهم شِعْري
إنّي أَبَى لي  ذَلِکُم   حَسَبِي       و مَقَالـَةٌ  کَمَقاطِعَ  الصَّخْرِ
وأخي من الجنِّ البصيرُ إذا       حـالَ الکـلامَ  بأَحْسن الحِبرِ
     * ومن أسباب الاختيار أيضا ما ذُکر من أنه فحل من فحول الشعراء ، بل إنه أشعر أهل المدر([17]) وقال الحطيئة : أبلغوا الأنصار أن شاعرهم حسان أشعر العرب ([18]) وقيل عن شعره کنز من کنوز الأمة العربية([19]) .
خطة البحث
أمّا عن خطة البحث ، فقد بنيت من أربعة فصول ، الفصل الأول والثاني ، قام بهما الدکتور / رجب عبد القادر حجاج  ، تناول فيهما أثر الوزن والقافية على البنية الصرفية ، والفصل الثالث والرابع قام بهما الدکتور/ جابر علي السيد سليم ، تناول فيهما أثر الوزن والقافية على البنية المقطعية ، وقد قسم البحث على النحو التالي :
تمهيد : وتضمن تعريفا موجزا بحياة الشاعر ، ثم محتويات الديوان عروضًا وقافيةً .
مدخل : اشتمل على صلة علم الأصوات بعلمى الصرف والعروض .
الفصل الأول : عنوانه : أثر الوزن على البنية الصرفية ، وقد جاء في ثلاثة مباحث : المبحث الأول ، وخصص للتغيير بالنقص . والمبحث الثاني ، وخصص لتغيير الصيغة ، والمبحث الثالث : تناول التغيير بالزيادة .
الفصل الثاني :عنوانه : أثر القافية على البنية الصرفية ، وقد جاء في ثلاثة مباحث : المبحث الأول تحدث عن تغيير الصيغة ، والثاني ، تناول تغيير بالنقص ، والثالث : تناول تغيير بالزيادة
الفصل الثالث : عنوانه : أثر الوزن على البنية المقطعية ، وتکوَّن من مبحثين ، المبحث الأول، وخصص للتغيير بالحذف ، والمبحث الثاني ، وتناول التغيير بالزيادة .
الفصل الرابع : عنوانه : أثر القافية على البنية المقطعية ، وقد جاء في مبحثين : المبحث الأول تناول التغيير بالحذف ، والمبحث الثاني وتناول التغيير بالزيادة .
ثم الخاتمة وتضمنت أهم نتائج البحث ، ثم فهارس البحث .
منهج البحث :
أمّا عن المنهج المتبع في سير البحث ، فهو المنهج الوصفي التحليلي .
                   هذا ، وبالله التوفيق
                                                                        الباحث
                                                             جابر سليـم
 

الكلمات الرئيسية