تخاصم أهل النار دراسة بلاغية فى القرآن الحکيم

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

مدرس البلاغة والنقد جامعة الأزهر

المستخلص

            فإن القرآن الکريم "لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق على کثرة الرد، ولا تنقضى عجائبه(1)، أنزله ربنا على قلب عبده ورسوله محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ معجزة تتلى وبلاغة تروى، فأخرس به أصوات الشرک ونکس به أعلام الکفر وأذل به أعناق الجبابرة..، وجمع به شمل أمة کانت مشتتة فى بيداء الحياة، فإذا بها تغدو أمة مهابة الجانب عزيزة اللواء تدک صروح  البغى وتثل عروش الظلم.
            لقد راع العرب والناس جميعا من هذا القرآن بلاغته العالية التى تأخذ بمجامع القلوب، وهو فى مجموعه مکون من عبارات مادتها حروف وألفاظ، وهذا ما أثار عجبهم وهز أوتار قلوبهم وجعلهم يطلقون العنان لللأقاويل الطائشة: فهو عندهم شعر، وقد يکون سحرا، وقد يکون کهانة، وهو أيضا عندهم ليس شعرا ولا سحرا ولا کهانة(2) وهذا التخبط دليل العجز وفيه يکمن سر الإعجاز.
            ومن هنا نشطت الأقلام وتبارت الأفهام لدراسة هذا الکتاب والوقوف على سر عظمته وإعجازه، فأحببت أن أسهم بجهد فى خدمة کتاب الله الکريم، وأن أتقرب إليه ـ تعالى ـ بأحب الأعمال لديه، فکلام الله ـ تعالى ـ :"هو الغنم الذى من حازه ظفرت يداه ولم يجزع لفوت ما عداه"(3)، "فسبحان من سلکه ينابيع فى القلوب، وصرفه بأبدع معنى وأغرب أسلوب، لا يستقصى معانيه فهم الخلق، ولا يحيط بوصفه على الإطلاق ذو اللسان الطلق، فالسعيد من صرف همته إليه، ووقف فکره وعزمه عليه، والموفق من وفقه الله لتدبره، واصطفاه للتذکير به وتذکره"(1).
            من أجل هذا کله کان هذا الموضوع المتعلق ببلاغة القرآن الکريم (تخاصم أهل النار دراسة بلاغية فى القرآن الحکيم)، وأقول إضافة إلى ما ذکر: إن من دوافع اختيارى لهذا الموضوع ما أراه وأسمعه فى زماننا هذا من أفعال أعداء الإسلام سادة ولفيف، فهم يحاولون بشتى الطرق استتباع المسلمين وصرفهم عن منهج ربهم حتى تضيع هويتهم فينصرفواـ لاهثين ـ وراءهم يتخذون من معتقداتهم قبلة لهم.
            فها هى ذى أحوال الکافرين يوم القيامة يتبرأ بعضهم من بعض، ويدعو بعضهم على بعض، ويلعن بعضهم بعضا، فهل فى هذا رادع لأهل الکفر والعدوان؟، وهل فى هذا زاجر لمن يريد أن  يکون لهم تبعا؟
            وتخاصم أهل النار وحجاجهم جاء متفرقا فى الکتاب الکريم، ويکثر فيه التنوع تبعا لتباين المواقف وتغاير الأحوال، فأردت أن  أجمع هذه الآيات فى نسق واحد لعلى بذلک أستطيع أن أجلى شيئا من بلاغة الکتاب الکريم فى هذا الموضوع.
            وقد توخيت فى هذا البحث منهجا فنيا تحليليا، فأسست العمل بتحليل بيانى دقيق لجزئيات کل سياق بعد الإحاطة بجوه العام ومدى ارتباطه بجو الحدث الأم ثم بجو سورته، وکيف عاونت الأدوات البيانية بألوانها وظلالها فى إبراز وإحياء معام الأحداث والمواقف، ثم أظهرت کيف کان للنظرة الکلية دور فى اکتشاف الترابط والتکامل بين السياقات، ودور کل فى کشف أهمية إعادة التناول للمشهد، وحمله للجديد من الفوائد لتکملة صورة المشهد الکلى دون تکرار ممل أو سأم معيب، وقد رتبت مباحث الموضوع بحيث يسلم کل مبحث نفسه لأخيه ومجاوره تبعا لتتابع الأحداث.
            وقد اقتضت طبيعة البحث أن يأتى فى مقدمة وسبعة مباحث وخاتمة، أما المقدمة فتحدثت فيها عن الموضوع وأهميته وخطته ومنهجه، وأما المباحث فهى:
المبحث الأول: تبرؤ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا.
المبحث الثانى: تبادل التلاعن بين الضالين والمضلين.
المبحث الثالث: استغاثة الضعفاء بالذين استکبروا واستغاثة الفريقين بالشيطان.
المبحث الرابع: تبادل التهم بين الذين استضعفو والذين استکبروا.
المبحث الخامس: تبادل المساءلة بين الضالين والمضلين.
المبحث السادس: نفى الترحيب بين أهل النار.
المبحث السابع: تبادل الحجاج بين الضعفاء والذين استکبروا.
الخاتمة: وفيها أهم النتائج.
            والله ـ عز وجل ـ أسأل أن يکون عملى هذا خالصا لوجهه الکريم، وأن يلهمنا السداد والتوفيق فى القول والعمل إنه سميع قريب مجيب.
{ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَکَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } (1)
الباحث
إبراهيم حسن أحمد
 

الكلمات الرئيسية