من بلاغة التمنى فى البيان النبوى

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

مدرس البلاغة والنقد ـ جامعة الأزهر

المستخلص

        فقد تنبه العلماء قديما وحديثا لما فى بيان النبوة من کنوز ودقائق هى حرية بأن تکون محط اهتمام الباحثين، وأن يبذل فيها الجهد وتستنهض لها الهمم، فها هو ذا الجاحظ يقول فى کلامه ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "هو الکلام الذى قل عدد حرفه وکثر عدد معانيه، وجل عن الصنعة ونزه عن التکلف،...استعمل المبسوط فى موضع البسط، والمقصور فى موقع القصر، وهجر الغريب الوحشى، ورغب عن الهجين السوقى، فلم ينطق إلا عن ميراث حکمة، ولم يتکلم إلا بکلام قد حف بالعصمة"([1])، ويقول الرافعى: "هو کلام کلما زدته فکرا زادک معنى، وتفسيره قريب کالروح فى جسدها البشرى، ولکنه بعيد کالروح فى سرها الإلهى"([2])، ويقول أيضا: "ألفاظ النبوة يعمرها قلب متصل بجلال خالقه، ويثقلها لسان نزل عليه القرآن بحقائقه....،وإذا أراک القرآن أنه خطاب السماء للأرض أرک هذا أنه کلام الأرض بعد السماء"([3])
        وعلى الرغم من کثرة ما کتب فى الحديث الشريف من بحوث ودراسات إلا أن معظمها يتجه لناحية التشريع أما الدراسات التى تتجه إلى نحو الحديث وصرفه وبلاغته فإنها قليلة ولا تعد إلا إشارات بجانب ما يمکن أن يجده الدارسون فى لغة الحديث الشريف من کنوز لا تزال تنتظر جهدهم.
        ومن هنا أردت أن أسهم بجهد فى خدمة اللغة العربية لغة الحديث الشريف فاتجهت نحو التمنى فى البيان النبوى؛ لعلمى أنه يرقى لأن يکون مجالا خصبا لدراسة جادة تکشف عن أسراره وتجلى دقائقه، والمعانى التى نعدها من باب التمنى ذات طبيعة خاصة؛ لأنها من المعانى التى تتعلق بها النفوس وتشتاق اليها القلوب سواء أکانت مستحيلة أو بعيده, فالمتمنِّى يتعلق بها ويشتد تعلقه حتى ينفلت من الواقع والممکن الى الذى مضى وما لا يمکن، ويتعلق بالمستحيل حتى يصير کالظمآن الذى لا يروى أو يستبعد ريه.
        و(ليت) فى أکثر مواقعها تصور آمالا حبيسة، ورغائب لا سبيل لتحقيقها، ولو کانت تلک الأمنيات ممکنة فإنها عند المتمنى وفى حس نفسه يبعد تحقيقها، لأنها من أشواق الروح وتطلعاتها التى لا تحدها حدود، فالمتمنِّى يبث فى أُمنيته حاجات نفسه ورغباتها ترويحا عن النفس وترجمة عما يجرى فى الخاطر.
        ونجد هذا الأسلوب فى البيان النبوى عظيم السلطان شديد التأثير حيث نجده محکيا على ألسنة الخائفين من أهوال آخر الزمان الطالبين للموت فزعا من الشدائد والأحداث، ونجده على ألسنة طالبى الخير متحسرين على ما فات ومضى...
        لهذا کان المقصود من هذه الدراسه والدافع لهذا البحث بيان دقائق التمنى فى البيان النبوى، وکشف الحجب عم فى(ليت) من لطائف وأسرار، وما تحدثه فى نسق التراکيب من إيحاءات، وما توحى به من أغراض، ثم الکشف عن الفروق الدقيقة بين التمنى بـ (ليت) والتمنى بغيرها کالأستفهام والأمر والشرط، وبخاصة أننى لم أجد أحدا ـ على حد علمى ـ خص هذا الموضوع بدراسة مستقلة فى البيان النبوى.
        وتبرز أهمية هذا الموضوع فى أن التمنى فى البيان النبوى ظاهر’ تستحق الدراسة البلاغية سواء أدى بالحرف الموضوع له وهو (ليت) أم أدى بغير (ليت)؟ لأن طلب الممتنع حديث نفسى والهة تملکها الذهول فلم تعد تفرق بين ما هو ممکن وما هو محال، ووراء ذلک ايحاءات ثرية، والبحث ـ إن شاء الله ـ يکشف عن هذه الإيحاءات ويبين أسرارها وارتباطها بنفوس أصحابها، والمقامات التى اقتضدتها بما يمثل ـ إن شاء الله ـ إضافة فى مجال البحث البلاغى.
        هذا: وقد جاءت خطة هذه الدراسة(من بلاغة التمنى فى البيان النبوى)
على النحو التالى
المقدمة وفيها: أهمية الموضوع والدافع اليه.
المبحث الأول: ( مفهوم التمنى وقيمتة البلاغية) ويتضمن تحرير مصطلح التمنى
                 فى اللغة، وتحرير مصطلح التمنى عند البلاغيين، وصيغ التمنى،
                 والفرق بين التمنى والترجى، والقيمة البلاغية للتمنى.

المبحث الثانى : (التمنى بـ (ليت) بلاغة ومقامة فى البيان النبوى) ويتضمن:
أولا: المتمنَّى المستحيل، ويشمل المقامات الآتية: التمنى فى مقام غبطة
        أهل القبور، التمنى فى مقام غبطة أهل القرآن وأصحاب المال، التمنى فى
        مقام صيام التطوع،

ثانيا: المتمنى الممکن.
المبحث الثالث : ( التمنى بغير ( ليت ) بلاغة وطرقة فى البيان النبوى) ويتضمن: التمنى بطريق الاستفهام، التمنى بطريق الأمر، التمنى بطريق الشرط.
الخاتمة : وفيها أهم النتائج .
ولا أدعى أننى بلغت فى بحثى هذا درجة الکمال، فالکمال لله وحده ولکنى اجتهدت قدر طاقتى، والله أسأل أن يقيل عثراتى ويغفر ذلاتى وهو الهادى إلى سواء السبيل(ربنا تقبل منا إنک أنت السميع العليم)
إبراهيم حسن أحمد
جامعة الأزهر
 

الكلمات الرئيسية