النقد الثقافي ودعوى موت البلاغة العربية دراسة في نقد النقد

يُعدُ النقد الثقافي من الاتجاهات النقدية الحديثة التي انتشرت وطار ذكرها في الآفاق، وأثارت جدلًا كبيرًا في الأوساط النقدية، ويذهب المروجون له في وطننا العربي إلى أنه نمط جديد يتجاوز البحث عن جماليات النص، لينفذ إلى الأنساق الثقافية المضمرة داخل البناء اللغوي؛ ولذلك استدعى هذا النوع النقدي المُحدَث أن ينهل من روافد معرفية متعددة، نحو: علم النفس، وعلم الاجتماع، والأنثروبولوجيا، وعلم العلامات، وعلم الجمال التحليلي الفلسفي، وغيرها من المعارف.
وقد تبنى عدد غير قليل من الأكاديميين والنقاد العرب نشر هذا الاتجاه النقدي الجديد، وقد حمل لواء هذا التوجه الدكتور عبد الله الغذامي، فقد نادى بضرورة استقبال هذا الوافد الغربي؛ ليحل محل النقد الأدبي والبلاغة العربية؛ لأنه يرى أن البلاغة قد بلغت سن اليأس، واحترقت، ولا داعي لتذكرها؛ لأنها صارت علمًا ميتًا لا جدوى من دراسته، كما يرى أن البلاغة قبح؛ لأن خطابها يخفى خلفه شيئا آخر غير الجمالية، وليست الجمالية إلا أداة تسويق وتمرير لهذا المخبوء، وتحت كل ما هو جمالي هناك شيء نسقي مضمر، ويعمل الجمالي عمل التعمية الثقافية لكي تظل الأنساق فاعلة ومؤثرة ومستديمة من تحت قناع.
ويتناول هذا البحث بالفحص والنقد دعوى موت البلاغة التى أطلقها الدكتور الغذامي؛ لكي نتمكن من الحكم عليها بموضوعية وشفافية، ويتضح لنا موقف الغذامي، هل كان منصفًا في دعواه، ومعتمدًا على منهج علمي رصين قوامه الأدلة والبراهين ، أم كان مقطوعًا عن تراثنا العربي، يغلبه هواه ، ويُخضِعه حبه للثقافة الغربية، وانبهاره بكل منجز نقدي غربي.