(جـــِرْجـَــا) دُرَّةُ المَكَـــانِ وَالزَّمَـــانِ Gerga Pearl of space and time

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

أستاذ البلاغة والنَّقد الأدبي، في قسم اللغة العربية، كلية الآداب جامعة الوادي الجديد، وَعَميدُ الكليةِ الأسْبَق، جمهورية مصر العربية.

المستخلص

مِنَ الجَهْدِ أَن يَكْتُبَ الْمَرءُ عَن بَلَدِهِ، ذَلِكَ أنَّهُ سَيكْتُبُ بِعَينِ الْمُحِبِّ الْمُعْجَب، والعُجْبُ آفَةٌ الإنْصَافِ والعَقْلِ، وَلَكِنَّ الغَالِبَ عَلَى النَّاسِ حُبُّ أَوطَانِهِم، والحَنِينُ الدَّائِمَ إلَيهِ، وَلِمَ لا وَقَد سَوَّى اللهُ تَعَالَى بَينَ قَتْلِ النَّفْسِ والخُرُوجِ مِنَ الأَوطَانِ والدِّيَار في قَولِهِ تَعَالَى:  (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ)  (سورة النساء:66)
وَلَنَا في نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ) الأسْوَةُ الحَسَنَةُ في حُبِّهِ لِمَكَّةَ مَعَ أنَّهُ فَارقَهَا إلى الْمَدِينَةِ، وَعَاشَ فِيهَا؛ فَقَد رَوى الطَّبَرَانِيُّ في الْمُعْجَمِ الكَبِيرِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): «قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ أَحَبَّ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ (عَزَّ وَجَلَّ) مَكَّةُ، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مَا خَرَجْتُ، اللهُمَّ اجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا مِنْ حُبِّ الْمَدِينَةِ مِثْلَ مَا جَعَلْتَ فِي قُلُوبِنَا مِنْ حُبِّ مَكَّةَ»([1])
وَلَعَلَّ ابن الرُّومِيِّ قَد عَلَّلَ حُبَّ النَّاسِ لأوطَانِهِم في قَولِه: (مِن بَحرِ الطَّويل)




وَحَبَّبَ أَوْطَانَ الرِّجَالِ إلَيْهِمُ


مَآرِبُ قَضَّـاهَا الشَّبَابُ هُنَالِكَا




إذَا ذَكَرُوا أَوْطَانَهُمْ ذَكَّرَتْهُمُ


عُهُودَ الصِّبَا فِيهَا، فَحَنُّوا لِذَلِكَا




وَقِيْلَ لأعْرَابِيٍّ: كَيْفَ تَصْنَعُ في البَادِيَةِ إذَا اشْتَدَّ القَيظُ وانْتَعَلَ كُلُّ شَيءٍ ظِلَّهُ ؟ فَقَالَ الأعرَابِيُّ: وَهَل العَيْشُ إلاَّ ذَاكَ، يَمْشِي أحَدُنَا مِيْلاً، فَيرْفَضُّ عَرَقَاً، ثُمَّ يَنْصُبُ عَصَاهُ وَيُلْقِي عَلَيهِ كِسَاءَهُ، وَيَجْلِسُ في فَيئِهِ فَكَأنَّهُ في إيْوَانِ كِسْرَى!!!.
وَأَشْكُرُ لأخِي الكَرِيم أ.د/ فتْحِي أحْمَد عَبْد العَال، عَميدِ كُلِيَّةِ اللُّغَةِ العَربيَّةِ بجِرجَا جُهْدَهُ، وَجُهْدَ رِجَالِهِ الذِينَ مَعَهُ، في إقَامَةِ هذَا الْمُؤتَمَر العِلْمِيِّ الأوَّل للكُلِيّةِ، وَأشْكُرُ لَهُ حُسْنَ اخْتِيار العُنْوَانِ: (جِرْجَا عَبْرَ التَّارِيخِ، وَجُهُودُ عُلَمَائِهَا في خِدمَةِ العُلُومِ الإنْسَانِيَّةِ) فَهَذَا الإقْلِيْمُ يَحْتَاجُ إلى إبْرَازِهِ، لِمَا يُمَثِّلُهُ مِن أهَمِيَّةٍ في الْمَكَانِ والزَّمَانِ؛
 
[1])  المعجم الكبير للطبراني (ت:360ه) تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، نشر: مكتبة ابن تيمية، القاهرة، (25 جزءاً) انظر:ج12/ 361.

الكلمات الرئيسية